بسم الله الرحمن الرحيم
قال الراوي لهذا الخبر الظريف؛ حدثنا محمد الهاشمي عن ابن عباس عن جعفر بن هاشم بن مضر قال: لما أراد الله تعالى أن يسكن البشير النذير السراج المنير محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم
في المدينة ويتخذها مسكنا، شاع خبره وعلا ذكره ونمى فخره، واتصلت أوامره ونواهيه إلى قريش وأهل مكة قاطبة، فتبادروا وتشاوروا في مكة، فرحل عن مكة مهاجرا إلى المدينة، فلما استقر بها قراره وطاب بها جواره قام أبو جهل وأبو سفيان وأبو معيط وعكرمة وحنظلة ومرة وخالد بن الوليد وتحالفوا مع قريش على قتله، وجعلوا الرأي بينهم على أذيته، فأتى إليهم أبو سفيان وقال: يا معشر قريش، ما تقولون في هذا الأمر؟ فقالوا له: أنت أميرنا وكبيرنا، وأمورنا بيدك فأمرنا بما تختاره. فعند ذلك قام أبو سفيان على قدميه وهو مغتاظ وقال: يا أبطال الصفا والبطحاء، اعلموا أن محمدا قد جعل يثرب مسكنه، وأن العرب قد اجتمعوا عليه من كل جانب ومكان، ولا تأمنوا أن يدهمكم بعساكره وجنوده ويملك ديارنا ويأخذ كعبتنا. قال صاحب الحديث: فلما سمعوا كلامه قالوا: يا أبا سفيان، فما تأمرنا فيه؟ فقال لهم: قوموا بنا نمضي إلى صخر بن حرب. فقاموا وساروا فلما دخلوا عليه حياهم وقربهم، وسألوه عن أمر محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم ، فأطرق رأسه ساعة يتأمل إلى مقالتهم، قال الشيخ البكري، وكان في بني كندة رجل يقال له جابر بن الضحاك الكندي، كانت له بنت يقال لها المياسة، وكانت ذات حسن وجمال وبهاء وكمال وقد واعتدال، بخد أسيل، وطرف كحيل، وردف ثقيل، وعنق طويل، وقامة كأنها ميل ترتج ردفها وتهتز من نصفها، ذكية المعاطر مقبقبة الخواطر، إن أقبلت قلت وإن أدبرت فتنت، وقد علا ذكرها وزاد فخرج واشتهر اسمها بين قبائل العرب، وظهر اسمها عند ذوي الرتب، فخطبها السادات والأشراف والملوك من ربيعة ومضر ومن سائر العربان وهي لا ترغب في أحد منهم، وقد آلت على نفسها وأقسمت بذمة العرب وشهر رجب والرب الذي إذا طلب غلب؛ ما يملك عنانها إلا من يرد سنانها في ميدان الحرب وموقف الطعن والضرب، وكانت جميلة الصورة كأنها رونق الضحى كما قال فيها الشاعر:
تميل وتزهو كالقصب قوامها
إذا أحضر في مذهبات الخلائق
فما زان ذا الجيد منها بخانق
ولكنها زانت بتلك الخنائق
قال الراوي: فتقدم جماعة من قريش إلى صخر بن حرب وقالوا له يا سيد العرب: اعلم أن في بني كندة سيدا عظيما يقال له جابر بن الضحاك الكندي، وله بنت ذات حسن وجمال تسبي العقول بحسن كمالها وتسلب اللب بحسن كلامها، لم يوجد في أحياء العرب مثلها ولا مثل قدها وشمائلها، وقد خطبها قبائل العرب والسادات من ذوي الرتب، وقد آلت على نفسها ألا يملك عنانها إلا من يرد سنانها في ميدان الحرب وموقف الطعن والضرب، وقد عزمنا على أن نمضي إلى حي بني كندة إلى جابر بن الضحاك الكندي، وننظر إلى ابنته المياسة وحسنها وجمالها وقدها واعتدالها، وننظر شجاعتها؛ فعلنا نقهرها في حومة الميدان وندركها بالضرب والطعان، فإذا فعلنا ذلك طلبنا من أبيها زواجها، فإذا أنعم علينا جعلناه لنا ناصرا ومعينا من قومه على محمد بن عبد الله وأنتم تعرفون أن بني كندة أبطال، فإذا تم لنا هذا الأمر بلغنا مرادنا.
Page inconnue
فلما سمع سيدهم صخر بن حرب ما قالوا له: قال لهم تأهبوا المسير جميعكم إلى حضرة جابر بن الضحاك الكندي، ونسأله عن ابنته المياسة.
قالوا: ثم إن القوم مضوا إلى منازلهم وتأهبوا للمسير، وما زالوا سائرين إلى حي بني كندة، فلما قربوا من الحي استقبلهم جابر بن الضحاك بأحسن استقبال، وذبح لهم الذبائح، ونحر لهم النحائر، وسكب لهم الخمور، فأقاموا مدة ثلاثة أيام بلياليها فلما كان اليوم الرابع أقبل جابر إلى سادات قريش وقال لهم: لماذا أتيتم؟
قال له: يا جابر، أنت تعلم أنا أولاد إبراهيم الخليل وسادة البطحاء وسكان زمزم والصفا، وقد جئناك راغبين ولابنتك خاطبين. فقام أبو جهل يخطبها لولده حنظلة، وخالد بن الوليد يخطبها لولده سلمان، وعمرو بن ود العامري يخطبها لولده عمار، والباقون كل منهم يخطبها لنفسه فارغب فيمن ترغب واطلب فيما تطلب، وقد أتيناك بكل ما تريد من الأموال والخيل والجمال ولك الرضاء، ثم إن أبا سفيان أنشد يقول:
ما في القبائل والعشائر مثلنا
فمن يقوم مقامنا في العالم
ولنا المفاخر والمكارم والعطا
والعدو فينا لا ترى من ظالم
قال صاحب الحديث: فلما سمع جابر بن الضحاك كلامهم هذا أطرق رأسه ساعة إلى الأرض وقال لهم: يا سادات قريش، اعلموا أنه ما بقي من العرب أحد إلا وقدم علينا وطلب ما طلبتم وسأل عما سألتم، فأنا أدخل عليها وأعرفها بما جئتم به، وأنتم أبطال البطحاء وسكان زمزم والصفا، وإنها آلت على نفسها ألا يملكها إلا من يقهرها في الميدان، ويرد سنانها في موقف الضرب والطعان، فأنا أدخل عليها وأسمع ما تقول وأرجع إليكم. قال ثم إن جابرا دخل على المياسة فوجدها تجلي درعها، فلما رأت أباها نهضت إليه وبسطت إليه بساطا فجلسا عليه معا ساعة زمانية، ثم قال: يا ابنتاه، اعلمي أنه ما بقي أحد من العرب إلا وقد قدم علينا، وقد أقبل إلينا سادات قريش من مكة يطلبون الزواج، مثل أبي جهل وعكرمة وعمرو بن العامري وعبد اللات والوليد وغيرهم من الأمراء، وقد أتوك خاطبين وفيك راغبين، فاختاري من شئت منهم. قال فلما سمعت المياسة كلام أبيها قالت: يا أبتي، وذمة العرب وشهر رجب والرب الذي إذا طلب غلب، لا يملك عناني إلا من يرد سناني في ميدان الحرب وموقف الطعن والضرب. ثم إنها قالت: يا أبتي، اخرج إليهم وأمرهم أن يركبوا خيولهم ويلبسوا لأمة حربهم ويبرزوا لي في غدوات غد إلى الميدان وإلى موقف الضرب والطعان، فمن كان منهم كفؤا كريما ويقهرني في حومة الميدان كنت له أهلا وكان لي بعلا، ثم أنشدت تقول:
قل لقريش السادة الأنجاب
قولا صحيح الرأي والصواب
Page inconnue
أن يبرزوا للطعن والضراب
ويركبوا الخيل والنجاب
قال الراوي: فخرج جابر من عند ابنته المياسة وأخبرهم بما قالت من الكلام، قالوا رضينا بذلك. ثم إنهم أتوا ليلتهم إلى الصباح، فلما أصبحوا أمروا عبيدهم أن يسرجوا خيولهم فأسرجوها، ثم إنهم أحضروا حقيبة السلاح وأخرجوا منها دروعهم فلبسوها وسيوفهم فتقلدوها ورماحهم فاعتقلوها، ثم ركبوا متون خيولهم وخرجوا إلى الميدان وأطلقوا العنان، ثم إن جابرا خرج مع قومه وعشيرته إلى خارج الحي، وخرجت المياسة وقد أسرجت على جواد من سابق الخيل يقال له الجوال، ثم إنها أفرغت عليها درعا أو زيا، وتركت على رأسها بيضة عادية ململمة بحلية وطاسة من الحديد الصيني، وتقلدت بسيف هندي، واعتقلت برمح خطي، ووقعت على ربوة من الأرض، وأزبدت وأرعدت وأنشدت تقول:
أهمك قول الشين والعذال
وقلت قولا ليس بالمحال
إذا قريش عاينوا فعال
ولوا عن الحرب، والنزال
قال فلما سمع أبو سفيان شعرها ونظمها أجابها يقول:
ما في العشائر والقبائل مثلنا
وأنا الفخار وسائر الأكرام
Page inconnue
ولنا الشجاعة والبراعة والندا
ولنا العز والإجلال والإعظام
قال صاحب الحديث: فلما سمعت المياسة شعره ونظامه أخذتها الحمية والنخوة العربية وحملت على القوم ونادت: أيها السادة، هلموا إلى الميدان، فهنا يبان فيه الشجاع من الجبان.
قال: فلم يزل إليها فارس بعد فارس وبطل بعد بطل حتى لم يبق منهم أحد إلا برز إليها إلى الميدان، فلم يكن فيهم من قريش من يرد سنانها ولا يلوي عنانها، فتحير منها الفرسان وذهلت منها الأعيان.
وكان في الحي صبي صغير السن يقال له المقداد بن أسود الكندي، وقد كان راعيا يرعى الخيل والجمال ويتعلم على ظهرها الفروسية، وكان لا يرى من يتقاتل من العربان إلا ويقف عنده ويتعلم منهم، وينظر إليهم وإلى طعنهم وضربهم ويتعلم حيلهم ومكرهم وخداعهم، وكان يملأ عدلا من الرمل وينصبه في الميدان ويطرد عليه ويحمله بالرمح ويرميه إلى ورائه فصار ليثا كرارا أو فارسا مغوارا، فنظر ذلك اليوم الأبطال والسادات والرجال وما هم فيه من الحرب والقتال، وقد لبسوا دروعهم وتقلدوا سيوفهم، واعتقلوا رماحهم، ولم ير طارقا يطرقهم، ولا عسكرا يدهمهم، أقبل على أمه وقال: يا أماه، ما لي أرى القوم بأنواع السلاح؛ جاذبين السيوف مكاثرين الصفوف زاحمين الألوف؟
فقالت له أمه: اعلم يا ولدي أن قريشا سادات مكة قد أتوا إلى عمك جابر بن الضحاك يخطبون ابنته المياسة، وأنها قد آلت على نفسها ألا يملكها إلا من يقهرها في ميدان الحرب، وقد برزت قريش إلى الميدان وخرجت المياسة لمبارزتهم، وخرج جابر وقومه يتفرجون عليها. فقال لها المقداد: يا أماه، قد اشتهيت أن أكون معهم حتى ألاعب الصبيان وأبارز الفرسان وأناظر الشجعان. فقالت له: ومن أين لك لأمة حرب وسنان ودرع وحصان؟
وقال: أريد أن تروحي إلى امرأة خالي وتطلبي منها جوادا ولأمة حرب، وإذا انقضى الحرب أرجعته إليها وتكون هي المشكورة على ذلك.
قال فلما سمعت أمه كلامه شتمته وعيرته وقالت له: الحق بجمالك وخل ما ينفعك وأنت راع، فلا يصلح لك أن تبرز إلى الميدان ولا طاقة لك وأنت رجل ضعيف.
فلما سمع المقداد كلامها بكى بكاء شديدا وتحسر حسرات متتابعات، وأنشد يقول:
يا أماه إن نبي الله موسى
Page inconnue
رعى الأغنام - ويحك - فاعذريني
فليس يعيبني رعي المواشي
إذا أرديت في الهيجا قريني
أنا المقداد، أنا سور الصبايا
أرد الخيل قهرا عن يميني
ثم إنه ألح عليها بالبكاء والتخضع والكلام والتضرع، فقالت: يا ولدي، كف عن هذا الكلام، ولا تقل لأحد؛ فإن الناس إذا سمعوا يقولون حتى المقداد طمع بالمياسة، وأنت رجل فقير لا حال ولا مال. فعند ذلك تحسر وأنشد يقول:
المقداد.
يمشي الفقير وكل شيء ضده
والناس تغلق دونه أبوابها
وتراه ممقوتا وليس بمذنب
Page inconnue
ويرى العداوة، لا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأته عابرا
نبحت عليه وكشرت أنيابها
وإذا رأت يوما غنيا مقبلا
خضعت إليه وحركت أذنابها
قال الراوي: فلما رأته أمه وهو كثير البكاء والنحيب شتمته وعيرته وقالت: يا ولدي لست ببخيلة عليك، فليس لك في الأمر حاجة. فعند ذلك تضرع بين يديها وقبل رأسها وتوسل بها وأنشد يقول:
أرى قومي بأنواع السلاح
قياما بالصفاح وبالرماح
وقد لبسوا ثيابا من حديد
وقد ضجوا وعلوا بالصياح
Page inconnue
يريدون الطعان، ولا أراني
أطاعن بينهم عند الكفاح
يرومون الوقائع في دروع
شديد البأس في يوم النطاح
فعند ذلك قالت له أمه: يا ابني، ما لك تقول في هذه الأشعار، ولا لك بهذا الكلام حاجة؟ فلما سمع كلامها بكى وأنشد يقول:
يا أماه أراك تعيريني
وأنا أرضى بميدان قريني
أنا المقداد أنا حامي الحمايا
وبيدي صارم هندي رنيني
فعند ذلك رق قلب أمه، فقالت يا ولدي: كيف تباشر الحرب مع الأقران، ولا عندك معرفة بالضرب والطعان؟ فقال: يا أماه، اعلمي أن النصر من عند الله، انطلقي إلى امرأة خالي، وكان اسم خاله طراد، واطلبي لي منها لأمة حرب وجوادا؛ حتى أسير إلى الميدان وأنازل الشجعان. فعند ذلك مضت أمه، وكان اسمها تميمة، إلى زوجة خاله، وجدتها جالسة، فسلمت عليها بأحسن سلام وألطف كلام، فقامت إليها وحيتها بأحسن تحية، وقالت: يا أم المقداد، هل لك حاجة فأقضيها لك؟ قالت: نعم، وهو أن ولدي المقداد نظر إلى السادات من قريش يلعبون في الميدان فاشتهت نفسه أن يكون بينهم، فقال لي: يا أماه، امضي إلى امرأة خالي واطلبي لي منها لأمة حرب وجوادا، وإذا انقضى الحرب أرجعته إليها، وتكون صاحبة الأجر في هذا الأمر.
Page inconnue
فلما سمعت امرأة أخيها ذلك تبسمت في وجهها وقالت: أبشري بالخير والكرامة. ثم أمرت جارتها بإحضار درع داودي وبيضة عادية ململمة مجلية وسيف هندي، ورمح خطي، ودرقة، وجواد عال قد ورثته من أبيها، فلما توفي أبوها جدعت أذنيه وهلبت ذنبه وقصت معارفه، وكان مشهورا بالسباق فلم يكن عندها مثله، ودفعت الجميع إلى تميمة وقالت: هذا هبة مني إلى المقداد. فأتت تميمة إلى ولدها مستبشرة في أشد الفرح والسرور، وسلمت الجميع إلى المقداد.
فلما نظر المقداد إلى الجواد، ورآه مجدوع الآذان مهلوب الذنب مقصوص المعارف، أنشد يقول:
لجمعا كنت أرضى أن يكون مطيتي
مجموعة الآذان مهلوبة الذنب
ولا كنت أرضاها لمثلي مطية
ولكن من يمشي سيرضى بما ركب
وإن كان هذا اليوم هذي مطيتي
فإن غدا أعلو على أحسن النجب
عسى الدهر أن يأتي بمهر مذهب
يكون جمالا فيه عز لمن ركب
Page inconnue
فلما رأى المقداد جواده بكى بكاء شديدا، ثم لبس الدرع وحط البيضة على رأسه وتقلد سيفه واعتقل برمحه وحمل الدرقة وركب جواده وحماه بسوط فزع، فزعق فيه وجعل يطرد في ذلك الوادي حتى وصل إلى الميدان ووقف مع جملة الفتيان والسادات والأقران، وتقدم إلى الصدام ضيق اللثام وأعد روحه من الكرام، وكانت المياسة قد دارت عينها يمينا وشمالا ومارست الفرسان وعرفت الشجاع من الجبان، فعند ذلك عز على المقداد جواده وحمل حملة منكرة وأزبد وأرعد وأنشد يقول:
اليوم تشهد معجزي كل الورى
اليوم أزدى من لقاني على الثرى
اليوم أظهر في قريش سطوتي
حتى ينظروا فعالي مجهرا
يا من أتى نحو الحبيبة خاطبا
فارجع الآن ودع عنك المرا
قال: ثم إن المقداد أطلق عنان جواده، وحمل على السادات من قريش وصال على فارس فجندله، وطعن ثانيا فقتله، وثالثا أخرج السنان يلمع من ظهره ورابعا أرداه يخور بدمه، فما كان إلا ساعة زمانية حتى جندلهم على الثرى والناس ينظرون إليه، فمنهم من يقول هذا شيطان، ومنهم من يقول هذا غيل من الغيلان أو عفريت من الجان، ومنهم من يقول هذا ملك أو سلطان.
فلما نظرت المياسة إليه وإلى فعلته أمرت أن يسرجوا لها جوادها، فأتوا بجواد أدهم سابق كالدرهم أو كالغراب الأسحم، رحب البان منتصب الآذان، مقبقب الحوافر واسع المناخر مهضوم الخواصر مقلم الأظافر، قليل لحم الخدين والفخذين، وهو ذو طرف عجيب، ذيله كالسهب، يلح بالصهيل إذا سابق، إن طلب لم يلحق، وهو كأنه البرق والخاطف.
قال: ثم إن الماسة أسرجته وألجمته واستوت على ظهره وأطلقت عنانه، وبرزت إلى الميدان وقومت السنان، فخرج من تحتها الجواد كالريح الهبوب، كالماء إذا اندفق من ضيق الأنبوب، كأنها لمعة سنان أو كالبرق الخاطف عن الأعيان.
Page inconnue
قال الراوي: فلما برزت إلى الميدان وقابلت الفرسان، وهي كأنها عقاب كاسر أو أسد زائر نادت برفيع صوتها: أيها الفارس، من تكون من الرجال، وإلى من تنسب من الشجعان.
فلما سمع المقداد مقالها ألوى عنان جواده إليها، وكان المقداد قد كل من الطراد ومن مبارزة الشجعان، فعطش من كثرة العجاج والغبار، ثم إن المقداد دنا إليها فلم يمهلها دون أن حمل عليها حملة منكرة، وتجاولا طويلا واعتركا مليا وتطاعنا بالرمحين حتى تحطت، وتضاربا بالسيفين حتى تتلمت، وعضت الخيل على المراود، وارتضت تحت خيولها الجلامد، وعلا بينهما الغبار وأظلم النهار حتى غابا عن الأبصار، وهما في كر وفر وطعن وضرب، وبعد وقرب وهتك وفتك وجد وهزل وازدحام، والناس يقولون: ما هذا إلا شيطان مريد، أو عفريت شديد أو ملك من الملائكة، وهم يلومون أباها ويقولون: إن ابنتك من كثرة بغيها راودها شيطان من الجان. قال: ولم يزل المقداد والمياسة في كر وفر حتى جرى منهما العرق، وازورت منهما الحدق وهو لا ينظر إلى وجهها، ثم إنها قالت: أيها الفارس الكرار، من تكون حتى أعرفك وأعرف حسبك ونسبك؟ ما لي أراك منكس الرأس كأنك جبان؟ وكان المقداد لا ينظر إليها مخافة أن يفتتن بحسنها وبجمالها وتبطل حركته، ثم إن المقداد أنشأ يقول:
اصبر قليلا أيها الشجاع
لا بد ما ألقيك وسط القاع
بأبيض وأسمر قطاع
كأنه البرق من الشعاع
قال فأجابته المياسة تقول:
يا ذا الذي يطمع في وصالي
إني أنا قاتلة الرجال
وأتلف النفوس والآجال
Page inconnue
بصارم يلمع كالهلال
قال الراوي: قالت المياسة: من تكون من الرجال، وإلى من تنسب من الأبطال؛ حتى أقول برز لي فلان وقابلني في الميدان؟ فلم يجبها دون أن حمل عليها وضايقها ولاصقها، وهم أن يطعنها فسابقته بطعنة فزاغ عنها، ثم إنه ألكزها في كعب الريح فرمى البيضة من على رأسها، فقالت له: أيها الفارس، هل لك أن تمهلني حتى أشرب الماء وأرجع إلى الميدان؟ فقال لها المقداد: أنت مجازاة بذلك. فدعت بشربة ماء فشربت ثم مالت تمانعه وتخادعه وتدافعه وتقول: أيها الفارس الكرار والليث المغوار والأسد الزيار، هل لك في شرب الماء حاجة؟ ثم إنها كشفت البرقع عن وجهها، وقد احمر وجهها من العرق، فقامت تمسح العرق عن جبينها، وقد ينحدر على جبينها كاللؤلؤ الرطب، فنظرت إلى المقداد نظرة، والتفت إليها التفاتة، فوقعت عيناه عليها، فانذهل عقله واستلب فؤاده واندهش واحترق قلبه، وانقلبت عيناه في أم رأسه، وصار شاخصا باهتا؛ لا يرد جوابا، ولا يصبو إلى خطاب، فطمعت المياسة فيه، قالت: لا شك أن هذا الغلام قد زال عقله وسلب فؤاده من حسني وجمالي.
قال الراوي: وبعد ساعة فاق المقداد وصحا من سكرته، وانتبه من رقدته، ورد عقله إليه، واستدرك وقال في نفسه: ويحك يا مقداد، إن المياسة ما تصيد الرجال الأبطال إلا في هذه الخيلة والمكر والدلال والحمرة والجمال، وقد انذهل عقلي من نظرة واحدة والساعة تسير في يديها أسيرا وتسير من بعد العز حقيرا، ثم إنه ألوى عنان الحصان إليها غير مكترث بها وصاح عليها وقال: ويلك، لقد وافاك ليث زيار وبطل مغوار. فقالت له: من تكون من العرب، وإلى أي قبيلة من ذوي الرتب؟ ثم إنه ألوى عنان جواده إلى المياسة، وصاح صيحة عظيمة، وقال لها: ويلك، لقد أكثرت علي المقال، فإنه الذي لا تنكر العرب فعاله، ولا يخفى على الأبطال مراسه، أنا الأسد مضجاج، أنا مرهج العجاج، أنا فارس الهيجاء، أنا هزبر الفلوات، أنا الفارس الكرار، أنا ابن عمك المقداد بن الأسود الكندي، قاتل الرجال ومبيد الأبطال، ثم أنشد يقول:
إني أنا المقداد نسل الأسود
أرى العدا بالصارم المهند
إن كان نكران فعالي في الوغى
لما علوت فوق ظهر الأجود
قال الراوي: فلما فرغ المقداد من شعره وعلمت المياسة باسمه أخذتها الحمية، وهزتها النخوة العربية وقالت: يا مقداد، من أين لك هذه الشجاعة التي لم أعهدها فيك؟ فقال: نحن أهلها. ثم إنها حركت الجواد بأطراف الركاب، فخرج من تحتها كالريح الهبوب أو كالماء إذا اندفق من ضيق الأنبوب حتى بلت المقداد وقالت له: ابرز إلى الميدان، فإن هذا اليوم آخر أيامك من الدنيا. قال: فلما سمع المقداد كلامها هز جواده وانحدر إلى الميدان، ثم إنهما تجادلا طويلا واعتركا مليا حتى جرى بينهما العرق، وازورت منهما الحدق، وامتدت نحوهما الأعناق، وشخصت نحوهما الأحداق، وأخذ الناس يلومون أباها ويقولون له: هذه بنتك من عظيم طغاوتها برز إليها شيطان من الجن واليوم يكشف حالها. ثم إن المقداد ضايقها ولاصقها وأراد أن يقتلعها من سرجها، فانقلبت تحت بطن الجواد ثم استوت على ظهر الجواد، فلما رآها المقداد طعنها بكعب الرمح فرمى البرقع عن وجهها، فنظرها وقال شعرا:
نظرت مقلتي شمس ضحى
نورها قد علا الأنوار
Page inconnue
ساطعا لامعا على كل الورى
يضيء بالظلام مثل النهار
طفلة غضة كعوب لعوب
ما لها في جمالها من نضار
فتأملت من نظرة إليها
طلعة الشمس وجهها باحمرار
وصباح يلوح في جنح ليل
ثم غصن يبين منه احمرار
تشبه البدر إذا نظرت إليها
طلعة الشمس بينها بأنوار
Page inconnue
قلت شمس للضحى وحق إلهي
أضحت بالحرب شر الشرار
قيل للمياسة الكريمة منا
ما لها في جمالها من يضار
بنت عشر وأربع وثمان
ما لها في جمالها من يباري
قال فلما سمعت المياسة أجابته على شعره:
يا ذا الذي يطمع في وصالي
ويرهب الشجعان بالعوالي
سوف أدعوك اليوم للنزال
Page inconnue
طعم الوحوش في مكان خالي
أكر في الروع ولا أبالي
حتى تنادي؛ ما لها وما لي
من فوق مهر أدهم ذيال
وأصرع القوم على الرمال
قال فلما سمع المقداد شعرها أجابها:
سوف ترين اليوم بالنزال
أي فتى يلتقي بالأبطال
أكر في الروع ولا أبالي
بصارم يلمع كالهلال
Page inconnue
ويصرع القوم على الرمال
ويلتقي الأهوال بالمحال
قال الراوي: فلما فرغ المقداد من شعره أجابته المياسة تقول:
اصبر قليلا أيها الشجاع
لا يغلبك الخوف والفزاع
ويعتليك الصارم القطاع
وتنتهي من لحمك السباع
ثم إن المقداد أنشأ يقول:
إن جوادي فرس رباع
ومثله يشرى ولا يباع
Page inconnue
وفي يميني صارم قطاع
كأنه من لمعة شعاع
ثم إن المقداد حمل على المياسة وتطاحنا بالرمحين وتضاربا بالسيفين فشخصت نحوهما الأبصار. فلما شاهدته أنه بطل لا يطاق وعلقم مر المذاق، تحيرت في أمرها وأظهرت حيلها ومكرها فلم يعبأ بها، فلما رأت أنه لم ينخدع بكل ما أظهرته من المكر اضطرت إلى كشف البرقع عن وجهها وجعلت تمسح العرق، فرآها المقداد وإذا هي كأنها قالب فضة أسيلة الخد قاعدة النهد معتدلة القد، كحيلة العينين رحبة الحاجبين واسعة المنكبين لطيفة القدمين، كما قال فيها الشاعر:
قد كملت صورة بالحسن كاملة
كأنها طبيبة القناص
قد وخد وثغر واختضاب يد
كالورد والطلع والجمار والثلج
بحسنها شوقت قلبي ونظرتها
كغضة ما ترى في لحظة عوج
ترى من مقلتي عللا
Page inconnue
حتى ترى بقلب صام مفرل
ثم إن المياسة حملت عليه وصاحت عليه صيحة عظيمة، فتلقاها بجنان ثابت، وضرب جواده بالسوط فخرج من تحته كالريح الهبوب أو كالماء إذا اندفق من ضيق الأنبوب، وتجادلا طويلا واعتركا مليا، ثم إنها بادرته بطعنة فزاغ عنها إلى تحت بطن الجواد، وهم أن يقتلعها من ظهر جوادها فلم يتمكن فلكزها بكعب الرمح فأرداها من على ظهر جوادها إلى الأرض، ثم أنشد يقول:
تأملي فعلي هل تري قط مثله
إني بيوم الروع غير جبان
وإني لكرار على سادة الورى
قريش ليوث الحرب بالجولان
برزت إلى مياسة غير عاجز
لتعلم أني أفرس الفرسان
فجندلتها في الأرض، ثم تركتها
وقد ألبستها ثوب ذل هوان (قال صاحب الحديث): ثم إن المياسة قامت وهي خجلانة متغيرة اللون مكسورة القلب باكية العين وقد مضت إلى منزلها، فتبعها أبوها وقال لها: يا بنتاه، من هذا الذي جندلك من الشجعان، وفضحك بين الرجال والأقران، فهل هو من الإنس أو من الجان؟ قالت: يا أبتاه، زوجني بهذا الفارس الذي قهرني في حومة الميدان ونكبني بين الشجعان؛ إن كان غنيا رضيته، وإن كان فقيرا أغنيته. فقال أبوها: من يكون هذا الفارس حتى أزوجك به؟
Page inconnue
فقالت المياسة: ابن أخيك المقداد بن الأسود الكندي، وهو الفارس المذكور والبطل المشهور، قال: فلما سمع أبوها كلامها أزبد وأرعد وقال: ويلك كفي عن هذا الكلام ولا تطمعي فيه أبدا، فكيف وقد خطبوك السادات من العرب والملوك من ذوي الرتب وما رغبت في أحد منهم، فكيف ترغبين في هذا اليتيم وهو ضعيف قومك وفقير عشيرتك؟ فقالت: يا أبتاه، أنا ما أرغب بالمال الجزيل المدخول، بل بالنسب المشكور والبطل المذكور والفارس المشهور، فلا خير بالمال بلا شجاعة وإنه أمير كريم قد رأيت الشجاعة لائحة بين عينيه، وإن هذا الفارس شغفني حبه وطلب قلبي قربه، وإن لم تزوجني به طوعا وإلا تزوجت به كرها، وتركت بيدي في يده، وسنخرج نقطع الطريق، وتخفيف السبيل على الشارد والوارد.
فعند ذلك قام من عندها وقد صعب عليه كلامها، فقال لها: يا مياسة، تريدين تركبين العار. ثم إنه خرج من عندها وأتى إلى سادات قريش واعتذر منهم ورجعوا خائبين، وأقبل جابر إلى قومه وعشيرته وبني عمه، وقال لهم بما سمع من كلام المياسة فقال له بنو عمه: اعلم أن المقداد لم يكن في العرب مثله؛ لا أفرس منه ولا أشجع ولا أكرم منه، وكان كثير المال حسن الحال، وإنما جارت عليه نوائب الزمان وأطوار الحدثان، فتضعضع حاله وقل ماله وإنما هو فارس شديد، فإن كان فقيرا فإن نعمتك تستر فقره وتجبر كسره، وحق اللات والعزى لقد فرحنا بذلك؛ حيث لا يملكها غريب فتضحى بين العرب وحيدا ...
وكيف ظهر لنا هذا الشجاع المناع والبطل الرواع وشاع ذكره عند كل القبائل والعربان، فأرسل إليه وزوجه ابنتك حيث طلبت قربه، واسمح له بالمهر، ولا تطلب منه ما لا يقدر عليه فتظلمه، منك وإليك، وحقه واجب عليك. فعند ذلك استدعى جابر ولده طارقا وقال له: يا ولدي، امض إلى منزل المقداد وادعه.
فعند ذلك مضى طارق في طلب المقداد، وكان عند جابر رجل من بني عمه من محاضر السوء (ولعن الله كل محضر سوء) فقال: يا جابر، أتريد فقد المقداد وبعده عن المياسة؟ فقال: نعم وحق اللات والعزى، لقد نبهتني إلى شيء كنت غافلا، وما يكون بعد؟ فقال: ثقل عليه الشرط والمهر، واشرط عليه شرطا فيمضي في طلبه. فقال: جزيت خيرا هذا هو الرأي، والمقداد لم يعلم بذلك، وأما طارق ولد جابر فإنه وصل إلى المقداد وقد نزع لأمة حربه لأمه ولبس جبة من الصوف. قال: فسلم المقداد على الغلام، فرد عليه السلام، فقال له طارق: أيها السيد، إن أبي يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويدعوك إلى حضرته. فقال المقداد: وما يريد مني وإني أريد أن أعدل إلى إبلي وقد سرحت وما وراءها أحد وقد هجر النهار؟ فقال الغلام: أجب والدي وانظر ما يريد منك وارجع إلى إبلك فلعله يكون خيرا. فقال له المقداد: سمعا وطاعة وحبا وكرامة. وسار ولم يتغير ودخل على جابر بن الضحاك وعنده سادات الحي جلوس، فسلم على القوم سلاما لطيفا، فردوا عليه السلام ونهضوا له.
فقال المقداد: أيها السيد الكريم والبطل العظيم والفارس الجسيم، لخير دعوتني إليه أم لشر وقعتني عليه؟ فقال جابر: لخير دعوتك يا مقداد، فما تقول في المياسة؟ قال: ما أقول فيها وهي ابنة عمي داخلة معي في الحسب والنسب، عاقلة أدنية ذات حياء وعفة، طوبى لمن كانت له أهلا وكان لها بعلا. فقال جابر: ما تقول في مهرها؟ فقال المقداد: منك الشرط ومني الرضا وفوق الرضاء بالوفاء والتمام. فقال وكان خال المقداد طراد بن عياد الكندي حاضرا في المجلس فقال: ويلك يا مقداد أنت مجنون؟ فالتفت المقداد إلى خاله وقال: كأنك خائف على مالك، وحق اللات والعزى لا أقرب شيئا منك، وإني كفؤ كريم وفي بكل ما يشترط علي جابر، أركب جوادي وألبس لأمة حربي، وأطلب أبوي وأجدادي وأرضي جابرا فوق الرضا، أكيد الأعداء وأفرح الأصدقاء.
ثم التفت المقداد إلى جابر وقال: اطلب ما شئت؟ فقال: يا مقداد أريد منك مهر ابنتي أربعمائة ناقة حمر الوبر سود الحدق لم يحمل عليها شيء، وأربعمائة رأس خيل مجللة بجلاب إبريسيم وسرجها وركابها من ذهب، ومائة جارية ومائة عبد، ومائة أوقية من المسك وخمسين أوقية من الكافور، ومائة رطل من العمود القماري، ومائة ثوب من الديباج وعليه قمطر مملوءة من ثياب مصر وعمل الشام، وألف أوقية من الذهب الأحمر، وألف أوقية من الفضة البيضاء، وثمانية فوق معلمات وثمانمائة أوقية من البنان الرومي؛ وبعد ذلك أريد منك جهازها مثل بنات العرب، وإذا أحضرت جميع ما طلبته منك تعمل وليمة عظيمة وتدعو لها أهل الحي جميعهم وتكسي صبيانهم، فهل لك طاقة فيما ذكرته لك؟
فقال المقداد: إني وفي ملي. فنهض خال المقداد طراد وقال له: ويلك يا ابن أختي أنت مجنون! أو معك ذخائر ادخرتها من غير علمنا؟ وحق اللات والعزى والهبل الكبير الأعلى إن هذا المهر لم يقدر عليه كسرى وقيصر، فمن أين المال كله؟ فقال: يا خال، وحق ما تحلف به العربان إني وفي. فقال: يا جابر، بئس ما صنعت مع ابن أختي، فلقد ضيعت على ابن أخيك، وأبعدته من بين يديك، وإنك أسأت بذلك. فقال المقداد: يا جابر، اعقد النكاح، وكان زواجهم في ذلك الزمن نزع الخاتم من يد العم ويعطيه إلى الصهر، فعند ذلك نزع خاتمه ودفعه إلى المقداد وقال له: تشوف الخير يا مقداد. ثم إن المقداد أخذ العهود والمواثيق من جابر وجعل المدة ثلاثة أشهر، وقال: إن أتيت في هذه المدة والمال معك فالمياسة لك، وإلا فلمن أردنا زوجناها. فعند ذلك وصى المقداد بذلك وافترقوا على هذا الكلام. وأما ما كان من جابر فإنه قام من وقته وساعته وأفرد إلى المياسة ثلاثة بيوت، فجعل للخدم بيتا وللدايات بيتا. ثم إن المقداد نهض من وقته وساعته وأتى إلى منزله ولبس لأمة حربه وتقلد سيفه واعتقل رمحه وركب جواده وودع أمه وسار إلى بيت المياسة، وكان في بيتها من يحفظها من المقداد، فلما نظر المقداد إلى البيوت وبيت عمه تذكر ما يصيبه من الفراق فبكى بكاء شديدا وأنشأ يقول:
ثلاثة أعود؛ وعود من القنا
وعود من الطرف، وعود من الإبل
ثلاثة أبيات؛ وبيت أحبتي
Page inconnue
وبيتان لا هي من هوى ولا شكلي
ألا أيها البيت الذي فيه منيتي
فبيتك من بيتي، وأهلك من أهلي
فيا لك من دخولك ظبية
وقربك أحلى لي من النحل
فلما سمعت المياسة شعر المقداد أخرجت رأسها من خلال البيت، وأجابته على شعره تقول:
لك العهد؛ عهد اللات مني لأنني
أحبك حبا خالصا لك من صدري
خروجك من دار من تحبه
خروجك من دار الحياة إلى القبر
Page inconnue
فإن عدت عاد الدهر لي بمسرة
وإن تكن الأخرى فلا طال لي عمري
قال: فلما سمع المقداد شعرها أجابها يقول:
مياسة، إني وحقك عازم
على سفر، إني أعود قريب
بمال جزيل تبلغ النفس سؤلها
ويسعد في دهري علي صعوب
ألم تعلمي أني إذا الحرب أسعرت
وثار لها يوم الهياج لهيب
وألتقي الأهوال غير مقصر
Page inconnue