بسم الله الرحمن الرحيم
قال الراوي لهذا الخبر الظريف؛ حدثنا محمد الهاشمي عن ابن عباس عن جعفر بن هاشم بن مضر قال: لما أراد الله تعالى أن يسكن البشير النذير السراج المنير محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم
في المدينة ويتخذها مسكنا، شاع خبره وعلا ذكره ونمى فخره، واتصلت أوامره ونواهيه إلى قريش وأهل مكة قاطبة، فتبادروا وتشاوروا في مكة، فرحل عن مكة مهاجرا إلى المدينة، فلما استقر بها قراره وطاب بها جواره قام أبو جهل وأبو سفيان وأبو معيط وعكرمة وحنظلة ومرة وخالد بن الوليد وتحالفوا مع قريش على قتله، وجعلوا الرأي بينهم على أذيته، فأتى إليهم أبو سفيان وقال: يا معشر قريش، ما تقولون في هذا الأمر؟ فقالوا له: أنت أميرنا وكبيرنا، وأمورنا بيدك فأمرنا بما تختاره. فعند ذلك قام أبو سفيان على قدميه وهو مغتاظ وقال: يا أبطال الصفا والبطحاء، اعلموا أن محمدا قد جعل يثرب مسكنه، وأن العرب قد اجتمعوا عليه من كل جانب ومكان، ولا تأمنوا أن يدهمكم بعساكره وجنوده ويملك ديارنا ويأخذ كعبتنا. قال صاحب الحديث: فلما سمعوا كلامه قالوا: يا أبا سفيان، فما تأمرنا فيه؟ فقال لهم: قوموا بنا نمضي إلى صخر بن حرب. فقاموا وساروا فلما دخلوا عليه حياهم وقربهم، وسألوه عن أمر محمد بن عبد الله
صلى الله عليه وسلم ، فأطرق رأسه ساعة يتأمل إلى مقالتهم، قال الشيخ البكري، وكان في بني كندة رجل يقال له جابر بن الضحاك الكندي، كانت له بنت يقال لها المياسة، وكانت ذات حسن وجمال وبهاء وكمال وقد واعتدال، بخد أسيل، وطرف كحيل، وردف ثقيل، وعنق طويل، وقامة كأنها ميل ترتج ردفها وتهتز من نصفها، ذكية المعاطر مقبقبة الخواطر، إن أقبلت قلت وإن أدبرت فتنت، وقد علا ذكرها وزاد فخرج واشتهر اسمها بين قبائل العرب، وظهر اسمها عند ذوي الرتب، فخطبها السادات والأشراف والملوك من ربيعة ومضر ومن سائر العربان وهي لا ترغب في أحد منهم، وقد آلت على نفسها وأقسمت بذمة العرب وشهر رجب والرب الذي إذا طلب غلب؛ ما يملك عنانها إلا من يرد سنانها في ميدان الحرب وموقف الطعن والضرب، وكانت جميلة الصورة كأنها رونق الضحى كما قال فيها الشاعر:
تميل وتزهو كالقصب قوامها
إذا أحضر في مذهبات الخلائق
فما زان ذا الجيد منها بخانق
ولكنها زانت بتلك الخنائق
قال الراوي: فتقدم جماعة من قريش إلى صخر بن حرب وقالوا له يا سيد العرب: اعلم أن في بني كندة سيدا عظيما يقال له جابر بن الضحاك الكندي، وله بنت ذات حسن وجمال تسبي العقول بحسن كمالها وتسلب اللب بحسن كلامها، لم يوجد في أحياء العرب مثلها ولا مثل قدها وشمائلها، وقد خطبها قبائل العرب والسادات من ذوي الرتب، وقد آلت على نفسها ألا يملك عنانها إلا من يرد سنانها في ميدان الحرب وموقف الطعن والضرب، وقد عزمنا على أن نمضي إلى حي بني كندة إلى جابر بن الضحاك الكندي، وننظر إلى ابنته المياسة وحسنها وجمالها وقدها واعتدالها، وننظر شجاعتها؛ فعلنا نقهرها في حومة الميدان وندركها بالضرب والطعان، فإذا فعلنا ذلك طلبنا من أبيها زواجها، فإذا أنعم علينا جعلناه لنا ناصرا ومعينا من قومه على محمد بن عبد الله وأنتم تعرفون أن بني كندة أبطال، فإذا تم لنا هذا الأمر بلغنا مرادنا.
Page inconnue