وغضب ابن أبي الساج غضبة أعجمية ... فقال، وقد وضع يده على قائم سيفه: «أدعوى وسخرية!»
ثم رد يده إلى موضعها وقال في صوت يحاول أن يكون أكثر هدوءا مما يدل عليه انفعاله: «ولكن لا، سأدعك وما اخترت لنفسك، لتختبر قوتك، وتعرف قدرتك في الميدان وحيدا لا يسندك ابن أبي الساج.»
ودار على عقبيه فخلف إسحاق وراءه، وخرج من ساعته إلى النهر فاستقل زورقا عبر به الفرات إلى الشام، حيث يلحق بخمارويه مستأمنا يعرض عليه طاعته.
4
لم يطل مقام خمارويه بمصر بعد الوقعة التي كانت، فما هو إلا أن دبر شئون الحاضرة، وجدد آلة الحكم، وجمع شتات السلطان، ثم أخذ يعبئ جيشه لأمر قد خط خطته، وأحكم تدبيره، وكأنما كانت تلك المعركة التي خاض غمرتها منذ بضعة عشر شهرا أذانا له بفتح جديد، فخرج إلى الشام في جيش قوي، قد استكمل أهبته واستتم عدته وعدده، وبلغ دمشق فأقام بها حينا ثم أصعد في البادية موليا وجهه شطر العراق ...
ولقيه في الطريق محمد بن أبي الساج، فانضم إليه بمن وراءه من غلمانه وجنده، ثم قصد إسحاق في الرقة، فعبر إليه الفرات مع ابن أبي الساج فأزاحه عن موضعه واشتد وراءه عدوا، وهو يدك الحصون ويحوز البلاد، حتى غلب على الجزيرة والموصل وبلغ سامرا، حيث كانت حاضرة الخلافة، وخطب له محمد بن أبي الساج على منابر الجزيرة والموصل ودعا له.
وخفق قلب الدولة هيبة ورهبة لخمارويه، ورددت الآفاق صدى فتوحه المظفرة، وخبا
26
كل نجم إلا نجمه، فلم يعد أحد يذكر إلا اسم خمارويه، وبلغ من المكانة ما يبلغ فاتح بسيفه.
وسعى الوسطاء بالصلح بينه وبين الموفق فكان، وكتب الخليفة المعتضد بيده عهد الصلح، ووقعه الموفق وولده، واعترفت له الدولة بالولاية على مصر والشام والثغور.
Page inconnue