وأخذ سليمان المال، وانحط على كرسيه، ولم ينظر إلى عمه، ولو فعل لرأى وجها ينكره، لو فعل لرأى وجه عمه الذي كان يحاول أن يكسوه بالبشاشة، وقد انقلب إلى وجه حزين كسيف جازع مليء بالكره والاحتقار، لقد فعل الباشا ما فعل، وكان يتمنى أن يتأبى سليمان أو يظهر بعض التمنع، أو يعرض أن يكتب كمبيالة بالمبلغ جميعه، أو يظهر بأي مظهر فيه بعض كبرياء، أو بعض رجولة، أو بعض خلق، أما أن ينكب على يده كما فعل عبد البديع فواضيعتا لك يا سهير!
أحس الباشا الألم الذي أمرضه يعوده، ولكنه جاهد نفسه، ولم يبن عنه، وقام تاركا القصر جميعه، ومن ورائه ابن أخيه، وحين حاول أن يركب معه سيارته قال له: لا أظن طريقنا واحدا.
ثم أمر سائقه فسار، وأخذ سليمان وجهته إلى داره ليبشر أمه بما سكبه عليه عمه، دون أن يشعر بما يكنه له عمه هذا، ودون حتى أن يشعر بما في رد عمه له عن ركوب السيارة من كراهية واحتقار.
وكان الفرح الثالث هو زواج وصفي، وقد كان هذا الزواج محوطا بشيء كثير من الفرح، فأهل هند في فرح غامر يعدون للزواج والسعادة تغمر نفوسهم، وكانت هند ذاتها سعيدة غاية السعادة، سعيدة لأنها ستتزوج، وقد شبت وهي تسمع أن الزواج معناه فرح، فهي لا تعطي فقيرا إلا دعا لها بالزواج والفرح، وهي لا تجلس إلى أمها إلا رأتها تتمنى لها زواجا من رجل عظيم لتقيم لها فرحا تتحدث عنه إلى أولادها وأولاد أولادها، وهي لا تجلس إلى زائرات إلا دعون لها بالزواج والفرح، وها هي ذي تتزوج، ومن رجل عظيم مشهور طالما سمعت عنه من أبيها ومن أعمامها وأخوالها، وهو ابن باشا وغني، ويقولون إنه جميل كالأمير الذي تروى عنه الأقاصيص، والذي تشهده في التمثيل حين تصحبها أمها إلى التمثيل في يوم السيدات.
ها هي ذي تتزوج إذن، وها هو ذا الفرح يعد له إعدادا ضخما رائعا، فهي إذن فرحانة، يبارك أبوها فرحتها وتنتشي بها أمها.
وكانت السيدة إجلال سعيدة أيضا بزواج ابنها؛ فهي زيجة طالما تمنتها وسعت إليها.
الوحيد الذي انشغل عن أن يفرح هو وصفي، وقد أراد لنفسه أن ينشغل، لا يريد أن يفكر في هذا الزواج ولا يريد أن يعرف حقيقة شعوره نحوه، إنه زواج فقط، بلا مشاعر حوله من ضيق أو فرح أو أمل أو ألم، إنه زواج يتم في حياته كجزء من طريق حياته لا بد له أن يقطعه، فهو لا يستقبله بشعور معين، وإنما هو يشغل نفسه بالسياسة، ويندفع في غمارها يريد منها أن يحقق أمله في الجهاد، ويريد أيضا أن تشغله عن تفكير آخر، وعن زواج آخر، لم يعد يريد أن يذكره أو يذكر صاحبته ... سهير.
الفصل التاسع
أقيم فرح سهير الحزينة، فكان على أروع ما أريد له أن يكون، وطرب الزوار وانتشوا بالغناء، فكانوا هم ومعهم سليمان وسميحة رمز الفرح في القصر.
كان سليمان فرحا يغشى فرحه بعض اضطراب، فهو إن يكن قد ربط جأشه وسكن مضطربه بعد كتابة عقد الزواج، إلا أنه عاد لنفسه يسألها: ماذا هو قائل في ليلته تلك؟
Page inconnue