فقال الملك: «ألم تعرف أحدا منهن؟»
فتلعثم لسان الفارس عن الجواب.
فرفع الملك رأسه واتكأ على ذراعه، وقال: «أسألك بشرفك وبرتبة الفروسية التي معك أن تقول لي ألم تعرف أحدا ممن كان هناك؟»
فاحتار الفارس في أمره وتوقف مدة عن الجواب، ثم قال: «عرفت بالحزر يا مولاي.» فعبس الملك ونظر إليه طويلا كأنه يقول له:
هي الشمس مسكنها في السماء
فعز الفؤاد عزاء جميلا
فلن تستطيع إليها صعودا
ولن تستطيع إليك نزولا
ثم قال: «احذر عرين الأسد ولا تلق بنفسك في التهلكة، ولا تتطاول إلى ما لا تطوله.» ولما قال ذلك سمع ضجة خارج الخيمة، فغير صوته وقال: «امض وقل لده فو أن يسرع إلي بالحكيم. أواه لو كان صلاح الدين ينبذ معتقده فأساعده بسيفي على طرد هؤلاء الفرنسويين والنمسويين من بلاده، وأرجع إلى بلادي مطمئن الخاطر؛ لأنه يحكم هذه البلاد بالعدل والإنصاف!»
ولما انصرف السر وليم دخل أحد الخدم وقال: «إن بباب الملك رسولين من قبل مجمع الأمراء.» فقال الملك: «ألم يعدونا بين الأموات حتى الآن؟!» ثم قال: «من هذان الرسولان؟» فقيل له: «رئيس الهيكليين ومركيز منسرات.» فقال: «إن أخانا ملك فرنسا لا يحب المرضى، أما أنا فلو كان هو مريضا ما تأخرت عن عيادته حتى الآن.» ثم نادى واحدا من خدمه وقال له: «امشط شعري وأعطني قليلا من الماء البارد.» فقال الخادم: «يا مولاي، إن الأطباء منعوا الماء البارد عنك.» فقال: «قاتل الله الأطباء، لم يقدروا أن يشفوني، فهل أدعهم يعذبونني؟» ثم غسل وجهه، وقال: «قل للرسولين أن يدخلا.»
Page inconnue