( أما إذا عرفوا بالبغي كان لمن رآهم سقيهم كاس البلا نهلا ) يعني والله أعلم أن من عرف بالبغي والتعدي على الناس فلا يحتاج إلى قيام حجة عليهم والأصل في ذلك أن الحجة قائمة عليهم ولا جهل ولا تجاهل في الإسلام قال الشيخ صالح وقد قيل أنه إذا كان الباغي معروفا بالبغي مشهورا بالإصرار متعارفا مع أهل الدار أنه لا ينقاد للحق فلا دعوة له ولا تلزم إقامة الحجة عليه وجائز فيه ما جاز فيمن أقيمت الحجة عليه وهو في الأصل مخاطب بأداء ما عليه من الحق بنفسه ولا يعذر بعدم المطالبة في ذلك إلى أن قال والقولان مشهوران عن المسلمين في القديم والحديث يعني القول بقيام الحجة وعدمها ومع هؤلاء لا دعوة لمن عرفها . وقيل له فان كان ضاربي أو آخذ مالي أو قاتلي من إذا غاب عني لا أدركه كمثل النعيم وبني قتب والجنبه والعفار ومن هو مثلهم من الأعراب هل لي أن أتداركهم بالضرب أو القتل قبل الفوت قال هكذا في نظري أن مثل هؤلاء لا يحتاجون إلى دعوة ولا إلى إقامة حجة لأنهم بغاة معتدون معروفون فتداركهم جزاك الله خيرا بالضرب والطعن غير شاك ولا متردد أعلم أنه ليس مراد الشيخ بالقبايل التي ذكرها الحصر وإنما أراد جريان العلة في معلولاتها فحيث ما وجد الأصل والتعارف به في أي قبيلة كانت بدوية أو حضرية قريبة أو بعيدة أجرى ذلك الحكم عليها لعلة البغي والإصرار عليه قلت ولو كان البغي متقدما من آباءهم وقد فنوا وبقي أولادهم يفتخرون بفعل آباءهم ومصرون عليه فيجوز فيهم ما جاز في آباءهم إلا أن كانت تقدمت لهم إصلاح بهدم المتقدم فلا يجوز الإقدام عليهم بما فعل آباءهم بغير حجة لأنه لا يجوز كسر الصلح فأنهم وقد ذكر أبو سعيد في بيان الشرع مثل ما ذكره فطالعه والدليل على ذلك أن الله سمي اليهود في أيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم قتله للأنبياء وعيرهم بذلك و هم في ذلك الوقت عدم لم يخلقوا و ما ذلك إلا لرضاهم بفعل آبائهم و إصرارهم عليه قال الشيخ صالح بن علي و قد صرح الشيخ محمد بن يوسف في شرح النيل أن من أخذ المال يهجم عليه ما كان المال في يده و الضارب و القاتل مثله عندي إذا كان ممن ذكرتهم و لا شك قيل و إن كان لم يضربني بنفسي و لم يأخذ مالي و لكن فعل ذلك بالمسلمين غيري قال المسلمون سواء و هم كالجسد الواحد و هم خصم الكل فعامله معاملة الباغي عليك إذا لم يحتمل أنه فعل ذلك بحق و في نظري أن هذا يعرف بالشهرة و القرائن و المتعارف مع أهل الدار و الأمارات هذا و الاحتمال البعيد لا يعتبر و لا يعتد به فالأمارات و الأخبار الدالة على فعل البغي كافية لك مع الدينونة بما لزمك إن أخطأت و لك أن تجاهده و تضاربه على هذا القصد و في الكتب المغربية إن الأمارات كسوق المال و حمل القتلى و الجرحى و المقاتلة في الحريم مما يدل على بغي الباغي و بذلك يجوز حربهم و تداركهم و أهل عمان قد أجازوا قتل أهل البوارج من أهل الهند إذا اطمأنوا أنها لأهل الشرك في أيام حربهم لأهل الهند و مثل هذا لا يخفى على أهل الدار قيل له و إن صح بغيه علي و دخل في عشيرته و لا يتوصل إليه كما هو موجود في قبائل أهل عمان و كما تراهم مقتسمين على الحمية و العصبية فلا يتوصل إليه بنفسه و الله يقول فيمن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا و في التفسير أن الإسراف قتل غير قاتله قال نعم لا يحل في الأصل إلا قتل قاتل وليه و ضرب من ضربه لكن إذا منعته عشيرته أو غيرهم أو حالوا بينه و بين مريده بحق فتقام الحجة ها هنا على أكابر القبيلة لا على آحادها كما كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعله و يستحل قتال من تحت الأكابر أو الكبير لأن قيامها على الآحاد كالمتعذر فلا يلزم ليردوه إلى الحق أو تؤدوا عنه ما وجب عليه فإن امتنعوا أو تمادوا أو ماطلوا بأكثر مما يتعارف أنهم قادرون فيه على الانقياد إلى الحق فلينبذ إليهم على سواء و جاز حربهم و قتالهم لدخولهم تحت قوله تعالى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله و إفاءتهم إلى أمر الله أن ينصفوا المظلوم من الظالم الباغي أو يخلوا بينهما و لهذا الدماء التي تقع في حال الحرب هي مهدورة من كلا الجانبين و قيل إن دم الباغي هدر و دم المبغي عليهم غير مهدور و قيل ما ناله البغاة سرقة و اختلاسا فعليهم غرمه و ما كان في الزحوف و الوقائع فلا غرم فيه قلت و أما الدم أو الحق الأول الذي امتنع البغاة به و صاروا بغاة من أجله فلا يهدر و لا إفاءة لهم إلا بأدائه و الله أعلم.
( و كل ما جاز منه القول مثل إما......م جاز تصديقه في البغي إن سئلا)
( لو مستعينا ويبرأ منهم بمقال الواحد العدل إذ افتاؤه قبلا )
( وقيل لو لم يكن في صحبه أمناء جاز تصديقهم والدفع قد جملا )
( وقيل بل لو رأى فيهم إمارته فليس يحتاج أن يستفهم الرسلا )
الكلام في هذه الأبيات فيمن يقبل قوله في أهل البغي فأنه يقبل قول الإمام ونائبه كقاض ووال وأمير السرية أن كان عالما بأحوال البغي ويبرأ منهم بمقال الواحد العدل لأنه حجة وقيل تقبل قول من صدقته وقيل يكتفي بإمارة البغي من البغاة وسيأتي تفصيل الكلام أن شاء الله وفي المقام مسائل.
المسألة الأولى : فيما يثبت به الحكم تقدم الكلام أن الحكم بالبغي أقواها إقراره به على نفسه والثاني شهادة الأمينين وأن كانت ظنية لأن الشارع جعلها حجة والثالث شهادة الأمين الواحد يجوز تصديقه لأن النبي صلى الله عليه وسلم يبعث الرجل الواحد إلى أهل الأمصار فيكون حجة عليهم ويجوز تصديق الواحد إذا أطمأن قلبك بتصديقه ويجوز بوجود مال المبغي عليه بيد الباغي أو مالا يعرفه لغيره ويجوز قبول من من صدقته ولو واحد وأنثى واحدة ولو لم يتولى الواحد ولا الواحدة وأجيز ولو عبدا ولو كان له المال ويغلب ظنه فيه وفي الأثر وعن رجال مر عليهم مواش في غارة والنساء أثرهم طالبات فاستغاثت النساء بهم الجواب أنهم يخلصون الماشية من أيدي الغزاة بكل معنى قدروا عليه لأنها سرقة وظلم ظهر لهم وعليهم أن يمنعوا النساء ممن أراد ظلمهن.
Page 71