معلم المعلم
قال عمر بن عتبة لمعلم ولده: ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينيك، فالحسن عندهم ما أحببت والقبيح عندهم ما تركت، علمهم كتاب الله ولا تملهم منه فيتركوه ولا تتركهم فيه فيهجروه، روهم من الحديث أشرفه ومن الشعر أعفه، ولا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه؛ فإن ازدحام الكلام في القلب مشغل للفهم، وعلمهم سنن الحكماء وجنبهم محادثة السفهاء، ولا تتكل على عذر مني لك، فقد اتكلت على كفاية منك.
معافى ومبتلى
مرض عمر بن العلاء فدخل عليه رجل من أصحابه فقال له: أريد أن أساهرك الليلة قال له: أنت معافى وأنا مبتلى، فالعافية لا تدعك تسهر والبلاء لا يدعني أن أنام، وأسأل الله أن يهب لأهل العافية الشكر، ولأهل البلاء الصبر.
الراهب
قال عمر البناني: مررت براهب في مقبرة وفي كفه اليمنى حصى أبيض وفي اليسرى حصى أسود، فقلت: يا راهب، ماذا تصنع هاهنا؟ فقال: إذا فقدت قلبي أتيت المقابر فاعتبرت بمن فيها، قال: وما هذه الحصى التي في كفك؟ قال: أما الحصى الأبيض فإذا عملت حسنة ألقيت واحدة منها في الأسود، وإذا عملت سيئة ألقيت من هذا الأسود واحدة في الأبيض، فإذا كان الليل نظرت، فإن زادت الحسنات على السيئات أفطرت وقمت إلى وردي، وإن زادت السيئات على الحسنات لم آكل طعاما ولم أشرب شرابا في تلك الليلة، هذه هي حالتي والسلام.
الزاهد
قال محمد بن رافع: أقبلت من بلاد الشام، فبينما أنا في بعض الطريق رأيت فتى عليه جبة من صوف وبيده ركوة فقلت: أين تريد؟ قال: لا أدري، قلت: من أين جئت؟ قال : لا أدري، فظننته موسوسا، فقلت: من خلفك؟ فاصفر لونه حتى خيل كفه قد صبغ بالزعفران، ثم قال: حلفني من لا يغيب عنه مثقال ذرة مما في الأرض والسماء، فقلت: رحمك الله، أنا من إخوانك، وممن يأنس إلى أمثالك فلا تقبض مني، فقال: إني والله أود لو جاز لي نزل القفار حتى أنفرد في واد سحيق صعب المنال أو في غابة لعلي أجد قلبي ساعة يسلو عن الدنيا وأهلها.
فقلت: وما جنت عليك الدنيا حتى استحقت منك هذا البغض؟ فقال: جناياتها العمى عن جناياتها، فقلت: هل من دواء تعالج به من هذا العمى؟ فقال: ما أراك على هذا العلاج، فاستعمل الدواء أصبره.
فقلت: صف دواء لطيفا، قال: فما دوائك؟ قلت: حب الدنيا، فتبسم وقال: أي داء أعظم من هذا، ولكن أشرب السموم الطرية والمكاره الصعبة، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم الوحشة التي لا أنس فيها والفرقة التي لا اجتماع معها.
Page inconnue