وفي هذه البلاد العربية المجاورة لمصر بشر بالإيمان أحد الشهداء في عهد ديوقلطيانوس وهو القديس كيروس كما ورد في أعماله التي نشرها الكردينال ماي (٢ ونصَّر جمًَّا غفيرًا من أهلها بكلامه ومعجزاته ثم قُتل شهيدًا.
واشهر منه أربعون شهيدًا قتلهم العرب الثونيون في سنة ٣٠٩. وكان هؤلاء تنسكوا في لحف جبل موسى فيعيشون هناك في الصوم والشغل اليدوي فوثب عليهم أهل البوادي وقتلوا منهم أربعين وقد أقيم لذكرهم دير ترى حتى يومنا آثاره ويدعى بدير الأربعين (٣ ويعيد الشهداء في تاريخ ٢٨ ك١.
ولما فازت النصرانية بتنصر قسطنطين رسخ الدين النصراني في أنحاء طور سينا والبلاد العربية الواقعة بجواره. وقد أخبر المؤرخون أن القديس هيلانة شيدت كنيسة على طور سينا تذكارًا لما جرى فيه من الأعاجيب في عهد موسى وشعب إسرائيل. وزاد النساك عددًا وانتشارًا في سائر أصقاع تلك الجهات. ففي غزة ونواحيها الشرقية والجنوبية اشتهر القديس هيلاريون المار ذكره. ولا تزال آثار هذا الرجل العظيم باقيةٌ هناك وقد وصفها في المشرق (٢١٣:١ ٢١٥) السائح الهمام الكاهن لويس موسيل نزيل كليتنا سابقًا مع بيان موقعها وذكر تلامذة القديس الذين أخذوا عنه الطريقة النسكية. وفي ترجمة حياته التي كتبها القديس هيرونيموس معاصره ما ينبئ بأعماله الرسولية ين عرب تلك النواحي وقد أقام عدة أديرة في ظهرانيهم في برية غزة وجهات عين قادس وكان يتردد إليها ويرافقه الرهبان في سياحته زرافات بلغ أحيانًا عددهم ألفي راهب (١. ولما شاع خبر قداسته كان الأهلون يخرجون إليه أفواجًا أفواجًا وجماهير مجمهرة تقدمهم الأساقفة والكهنة.
وذكرنا سابقًا إكرام العرب له في خَلَصة. وأخبر الثقة أنهم كانوا يقصدونه في كل حاجاتهم فتارةً كان يلتمس لهم المطر في سنتهم وتارةً كان يشفي نوقهم من عاهاتها وكان يخرج منهم الشياطين أو يتال لهم من الله البرء من أمراضهم فرد النظر في مدينة العريش (Rhincolure) لامرأة عمياء وابرأ من مرض عضال شيخ مدينة أيْلة النصراني المدعو أوريون (٢. وذكر سوزومان في تاريخه الكنسي (ك٥ ف ١٥) أن القديس شفى أيضًا في غزة جدَّه ألافيان الذي اشتهربعدئذٍ بتقاة وشيد أديرة وكنائس.
وفي هذا القرن الرابع نُفي إلى براري سينا والنبط رجال أفاضل من الأساقفة والكهنة نفاهم الملك قنسطنسيوس الأريوسيكالقديسين أوجان وبروتوجان المنفيين من الرها إلى براري العرب (عيدهما في ٥ أيار) وفي ترجمة القديس هيلاريون ورد ذكر الأسقفين القديسين دراكنتيس وفيلون المنفيين إلى نواحي غزة. وإلى أيلة نفى الإمبراطور أنستاس القديس إيليا بطريرك أورشليم وكان عربي الأصل كما مر (٣. وكذلك أسقف أيلة الذي أمضى أعمال الجمع الخلقيدوني سنة ٤٥١ كان عربيًا ويدعى غوثًا.
وأخذت الأديرة تمتد في أواسط بلاد سينا وتكثر حولها القبائل المتنصر وأخص هذه الأديرة دير فاران الذي ورد ذكره في كتاب المرج الروحي تأليف حنا موسكوس في القرن السادس للمسيح (١. وقد أثنى هناك على رئيسه غريغوريوس الذي صار بعد ذلك بطريركًا على أنطاكية. وكان دير فاران حافلًا بالرهبان الوطنيين وغيرهم ذكر الآباء منهم القديس سلوانس رئيسة ثم موسى الفاراني الشهير بقداسته وكراماته.
وفاران هذه كانت شهيرة في عهد الدولة الرومانية فأصبحت مدينة كبيرة وافرة السكان وهي اليوم قرية حقيرة فيها نحو الخمسين بيتًا وهي تدعى فيران موقعها في وادٍ كثير الخصب تنمو فيه الأشجار لاسيما النخيل وتجري فيه المياه الطيبة فالنصارى دخلوا فاران ونشروا يها دينهم حتى كاد يعم كل أهلها منذ القرن الرابع. وكان فيها اسقفي يذكر الروم في الميناون في ١٨ شباط اسقفها المدعو أغابيطوس أو محبوب. في عهد قسطنطين الكبير. وممن لايشك في تاريخه الاسقف نثراس او نثير في النصف الثاني من القرن الرابع وتلميذ القديس سلوانس. وكان أمير فاران نصرانيًا يدعى عوبديان أو عبدان. وقد بقيت يها النصرانية معززة رفيعة الشان إلى القرن السابع وحجت إليها القديسة سيلفيا (أو كارية) في أواخر القرن الرابع في رحلتها إلى الأراضي المقدسة والقديس أنطونيوس الشهيد نحو سنة ٥٨٠. وترى بين أخربتها حتى اليوم بقايا من كنيستها ومدافنها النصرانية عليها النقوش المسيحية كالصلبان والرموز الدينية واسم السيد المسيح مختصرًا.
1 / 16