ومما يحتج به على أهل هذا المقال، المتحيرين في الله الضلال، أن يقال لهم: خبرونا عن إرادة الله سبحانه لخلق السماوات والأرض؟ هل هي إرادته لإبادتهما وتبديلهما في يوم الدين؟ فإن قالوا نعم قيل لهم: فهلا وقعت بهما الإبادة والتبديل مع وجود خلقهما سواء سواء؟ فقد يلزمكم في أصل قولكم وقياسكم أن تقولوا إن الأرض والسماء قد بادتا وبدلتا ساعة ما خلقتا وأوجدتا؛ إذ الله سبحانه قادر على ما يشاء، وإذ مراده نافذ ماض أبدا؛ لأنكم تزعمون أن إرادة الله سبحانه لخلقهما وإيجادهما هي إرادته لإبادتهما وتبديلهما، ومتى كانت الإرادة في ذلك واحدة سواء؛ فلا شك أن المراد يقع مجتمعا معا، لا يسبق بعضه بعضا؛ إذ لم يتقدم من الإرادة شيء شيئا، وإن قالوا ليست الإرادة من الله لخلقهما بإرادته لتبديلهما وإبادتهما؛ لأن إرادته نافذة؛ وقدرته ماضية، وقد أراد أن يخلقهما فخلقهما، وإذا أراد أن يبدلهما بدلهما، فقد أقروا أن لله إرادة تحدث في كل الحالات، ومتى كانت كذلك لم يكن أبدا أزليه، وزال عنها اسم القدم والأولية، وإذا ثبت أنها حادثة، ثبت أنها محدثة، وإذا ثبت أنها محدثة، ثبت أنها مجعولة مقدرة، وإذا ثبت أنها مجعولة مقدرة، ثبت أن المجعول المقدر هو المخلوق المدبر، وأن الإرادة ليست غير الموجود المفطور المصور، وإذا قد ثبت ذلك فقد ذهب ما يقولون به من الفرق بين إرادة الله وفعله، وثبت أن فعله إرادته، وأن إرادته سبحانه فعله، إذا أوجد شيئا فقد أراده، وإذا أراده فقد أوجده، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى أهل بيته الطاهرين.
Page 138