ومن الحجة على من فرق بين إرادة الله وفعله، فزعم أن إرادة الله سبحانه متقدمة لإيجاده وصنعه قول الله سبحانه:{ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } [يس: 82]، فمعنى قوله سبحانه لمراده كن فهو إيجاده له، وخلقه إياه، لا أنه يكون منه إليه قول، ولا له؛ لأنه لو كان كما يظن الجاهلون أنه يأمره بالكون فيكون، لكان القول من القائل متوسطا بين الفاعل والمفعول، والقول فهو فعل، ولو توسط الفعل من الرحمن، لكان مشابها لفعل الإنسان، بأبين ما يكون من البيان، فقد بطل بحمدالله أن يكون كذلك لما ذكرنا واحتججنا به أولا في ذلك.
ومن الحجة عليهم، ومما يبطل ما هو في أيديهم، أنه لو كان منه أمر له كما يقولون، لم يخل من أن يكون يأمره وهو عدم غير موجود، ومخاطبة العدم الزائل المفقود فأحول المحال، ومخاطبة العدم من الآدميين فأضل الضلال، فكيف يجوز أن ينسب ذلك إلى الواحد ذي الجلال! أو يكون أمره وهو موجود كائن قائم غير مفقود فأمر الكائن القائم الموجود بأن يكون محال؛ لأنه قد استغنى بتجسمه وكينونته عن التكوين في حال من الحال، كما لا يجوز أن يؤمر القائم بالقيام، ولا النائم بالمنام، ولا الراكب في حال ركوبه بالركوب، ولا المهرول المدبر بالخبوب؛ لأنه إذا كان في حال كذلك مستغن عن أن يؤمر بشيء من ذلك، فقد سقط أن يكون أمر من الله للشيء في حال من الحال، فإذا سقط؛ سقط ما يتعلقون به وفيه من زور المقال، وثبت ما قلنا به من إيجاد الله له ذي الجلال.
فإن قال قائل: إن معنى قول الله سبحانه للشيء كن فيكون، هو أن يقول للشيء كن شيئا آخر مثل الصلصال الحما، قال له كن صورة وبشرا، فكان كما أمره ربه حقا، ومثل النطفة قال لها كوني علقة، فكانت علقة، ثم أمر العلقة، فكانت مضغة، ثم قال للمضغة كوني عظاما، فكانت عظاما ثم كساها لحما وجسمها بقدرته جسما، فهذه أشياء غير مفقودة، تؤمر فتنتقل أجساما موجودة.
Page 139