Le Tafsir condensé d'Ibn Kathir
مختصر تفسير ابن كثير
Maison d'édition
دار القرآن الكريم
Numéro d'édition
السابعة
Année de publication
١٤٠٢ هـ - ١٩٨١ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
Genres
- ٨٧ - وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ
يَنْعَتُ ﵎ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْعُتُوِّ وَالْعِنَادِ، وَالْمُخَالَفَةِ وَالِاسْتِكْبَارِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنَّهُمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ، فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ آتَى مُوسَى الْكِتَابَ وهو (التوراة) فحرَّفوها وبدَّلوها، وخالفوا أوامرها أولوها، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ بِشَرِيعَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ الله وَكَانُواْ عليه شهداء﴾ الآية، ولهذا قال تعالى: ﴿قفينا مِن بَعْدِهِ بالرسل﴾ قال السدي: أَتْبَعْنَا وَقَالَ غَيْرُهُ: أَرْدَفْنَا، وَالْكُلُّ قَرِيبٌ كَمَا قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تترى﴾ حتى ختم أنبياء بني إسرائيل بعيسى بن مَرْيَمَ، فَجَاءَ بِمُخَالَفَةِ التَّوْرَاةِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَهِيَ الْمُعْجِزَاتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَخَلْقِهِ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طيرًا بإذن الله، وإبراء الْأَسْقَامَ، وَإِخْبَارِهِ بِالْغُيُوبِ، وَتَأْيِيدِهِ بِرُوحِ الْقُدُسِ - وَهُوَ جِبْرِيلُ ﵇ مَا يَدُلُّهُمْ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ، فَاشْتَدَّ تَكْذِيبُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَهُ وَحَسَدُهُمْ وَعِنَادُهُمْ لِمُخَالَفَةِ التَّوْرَاةِ فِي الْبَعْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ عِيسَى: ﴿وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن ربكم﴾ الآية فكانت بنو إسرائيل تعامل الأنبياء أَسْوَأَ الْمُعَامَلَةِ فَفَرِيقًا يُكَذِّبُونَهُ، وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَهُ، وَمَا ذاك إلا لأنهم يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم، وبالإلزام بِأَحْكَامِ التَّوْرَاةِ التِي قَدْ تَصَرَّفُوا فِي مُخَالَفَتِهَا، فلهذا كان ذلك يشق عليهم فكذبوهم وَرُبَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾؟
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ هُوَ جِبْرِيلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ ابن مسعود في تفسير هذه الآية ما قال البخاري: عن أبي هريرة عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَضَعَ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فقال رسول ﷺ: «اللَّهُمَّ أَيِّدْ حَسَّانَ بروح القدس كما نافح عن نبيك» وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِحَسَّانَ: «اهْجُهُمْ - أَوْ هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ مَعَكَ» وَفِي شِعْرِ حَسَّانَ قَوْلُهُ:
وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس به خفاء
وعن ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أنه لن تموت نفس حَتَّى تَسْتَكْمِلَ ⦗٨٧⦘ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا فَاتَّقَوُا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا في الطلب (رواه ابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود)» وحكى القرطبي عن مجاهد القدُس: هو الله تعالى، وروحه جبريل وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْقُدْسُ الْبَرَكَةُ، وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابن عباس: القدس الطهر. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ بِالرُّوحِ الْمُقَدَّسَةِ، كَمَا تقول: حَاتِمُ الْجُودِ، وَرَجُلُ صِدْقٍ، وَوَصْفُهَا بِالْقُدُسِ كَمَا قَالَ ﴿وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾ فَوَصْفُهُ بِالِاخْتِصَاصِ وَالتَّقْرِيبِ تَكْرِمَةٌ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ لَمْ تَضُمَّهُ الْأَصْلَابُ وَالْأَرْحَامُ الطَّوَامِثُ، وَقِيلَ: بِجِبْرِيلَ، وَقِيلَ: بِالْإِنْجِيلِ كَمَا قَالَ فِي القرآن ﴿رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا﴾ وَقِيلَ: بِاسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الذِي كَانَ يُحْيِي الموتى بذكره. وقال أيضًا في قوله تعالى: ﴿فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ إِنَّمَا لَمْ يَقِلْ وَفَرِيقًا قَتَلْتُمْ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ وَصْفَهُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ حَاوَلُوا قَتْلَ النَّبِيِّ ﷺ بِالسُّمِّ وَالسِّحْرِ، وَقَدْ قَالَ ﵇ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: «مَا زَالَتْ أكلة خيبر تعادّني فهذا أوان انقطاع أبهري» (الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ)
1 / 86