Le Tafsir condensé d'Ibn Kathir

Muhammad Ali Sabuni d. 1450 AH
62

Le Tafsir condensé d'Ibn Kathir

مختصر تفسير ابن كثير

Maison d'édition

دار القرآن الكريم

Numéro d'édition

السابعة

Année de publication

١٤٠٢ هـ - ١٩٨١ م

Lieu d'édition

بيروت - لبنان

Genres

- ٨٤ - وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ - ٨٥ - ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى ⦗٨٥⦘ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ - ٨٦ - أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ يَقُولُ ﵎ مُنْكِرًا عَلَى الْيَهُودِ، الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ، وَمَا كَانُوا يُعَانُونَهُ مِنَ الْقِتَالِ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ - وَهُمُ الْأَنْصَارُ - كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ عبَّاد أَصْنَامٍ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَكَانَتْ يَهُودُ المدينة ثلاث قبائل (بنو قينقاع) و(بنو النضير) حلفاء الخزرج و(بنو قُرَيْظَةَ) حُلَفَاءُ الْأَوْسِ، فَكَانَتِ الْحَرْبُ إِذَا نَشِبَتْ بَيْنَهُمْ قَاتَلَ كُلُّ فَرِيقٍ مَعَ حُلَفَائِهِ فَيَقْتُلُ الْيَهُودِيُّ أَعْدَاءَهُ، وَقَدْ يَقْتُلُ الْيَهُودِيُّ الْآخَرُ مِنَ الفريق الآخر، وذلك حرام عليهم في دينهم ونص كتابهم، ويخرجونهم من بيوتهم، وينتبهون مَا فِيهَا مِنَ الْأَثَاثِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْأَمْوَالِ، ثُمَّ إذا وضعت الحرب أوزارها افتكُّوا الْأَسَارَى مِنَ الْفَرِيقِ الْمَغْلُوبِ عَمَلًا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ؟﴾ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ﴾ أَيْ لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يخرجه من منزله، ولا يظاهر عليه، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ، كَمَا قَالَ ﵊: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَوَاصُلِهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سائر الجسد بالحمى والسهر»، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ أَيْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ بِمَعْرِفَةِ هَذَا الْمِيثَاقِ وَصِحَّتِهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ بِهِ، ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ﴾ الآية. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ قال: أنبأهم الله بذلك مِنْ فِعْلِهِمْ، وَقَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ سَفْكَ دِمَائِهِمْ، وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ، فَكَانُوا إِذَا كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ مَعَ الْخَزْرَجِ، وَخَرَجَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ الْأَوْسِ، يُظَاهِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتى تسافكوا دِمَاءَهُمْ بَيْنَهُمْ، وَبِأَيْدِيهِمُ التَّوْرَاةُ يَعْرِفُونَ فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ، وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَلَا يَعْرِفُونَ جَنَّةً وَلَا نَارًا وَلَا بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً، وَلَا كِتَابًا وَلَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا، فَإِذَا وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا افْتَدَوْا أَسْرَاهُمْ تَصْدِيقًا لِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَأَخْذًا بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، يَفْتَدِي (بَنُو قَيْنُقَاعَ) مَا كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيْدِي (الْأَوْسِ) وَيَفْتَدِي (النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ) مَا كَانَ فِي أَيْدِي الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ، وَيَطْلُبُونَ مَا أَصَابُوا مِنْ دِمَائِهِمْ، وقتلوا مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ الشرك عليهم، يقول الله تعالى ذكره: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكتاب وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ أي تفادونهم بحكم التوراة وتقتلونهم، وفي حكم التوراة أن لا يقتل وَلَا يُخْرَجَ مِنْ دَارِهِ وَلَا يُظَاهَرُ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مَنْ دُونِهِ ابْتِغَاءَ عَرَضِ الدُّنْيَا؟ فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - فِيمَا بَلَغَنِي - نَزَلَتْ هَذِهِ القصة. وقال السُّدِّيِّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَيْسِ بْنِ الحطيم ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ﴾ وَالذِي أَرْشَدَتْ إِلَيْهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَهَذَا السِّيَاقُ ذمَّ الْيَهُودِ فِي قِيَامِهِمْ بِأَمْرِ التَّوْرَاة التِي يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا، وَمُخَالَفَةِ شَرْعِهَا مَعَ مَعْرِفَتِهِمْ بِذَلِكَ وَشَهَادَتِهِمْ لَهُ بِالصِّحَّةِ، فَلِهَذَا لَا يُؤْتَمَنُونَ عَلَى مَا فِيهَا وَلَا عَلَى نَقْلَهَا، وَلَا يُصَدَّقُونَ فيما كتموه مِنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ⦗٨٦⦘ وَنَعْتِهِ وَمَبْعَثِهِ وَمَخْرَجِهِ وَمُهَاجَرِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ من شؤونه، التي أخبرت بها الأنبياء قبله عليهم الصلاة والسلام، وَالْيَهُودُ - عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللَّهِ - يَتَكَاتَمُونَهُ بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَا جَزَآءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خزيٌّ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أَيْ بِسَبَبِ مُخَالَفَتِهِمْ شَرْعَ اللَّهِ وَأَمْرِهِ ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ العذاب﴾ جزاء على مخالفتهم كِتَابِ اللَّهِ الذِي بِأَيْدِيهِمْ ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ﴾ أَيِ اسْتَحَبُّوهَا عَلَى الْآخِرَةِ وَاخْتَارُوهَا ﴿فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ أَيْ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً ﴿وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ أَيْ وَلَيْسَ لَهُمْ نَاصِرٌ يُنْقِذُهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ العذاب الدائم السرمدي ولا يجيرهم عليه

1 / 84