وقد يستدل أيضا الطبيب ببعض أسبابه لتقدمة معرفته إذا رأى أن بعض الأخلاط الرديئة قد ابتدء في الغلبة على بدن الإنسان مما يعلم أن مثله يدفعه العلاج أو يسكنه فيتقدم في التحرز به من قوة ذلك الخلط الرديء أو الزيادة فيه بالعلاجات التي تسكن أو تضعف قوته لأن لا تهيج عليه ويهيج معه بعض الأخلاط الرديئة فتعسر الحيلة في إخراجها أو في تسكينها فلولا تقدمة علم الطبيب بأن ذلك الخلط الرديء ئذا إذا تركه على حاله هاج وثار بالإنسان فأوجعه لم يتقدم في إخراجه أو في تسكينه بتقدمة العلاج له فقد يسكن الطبيب الحاذق بتقدمة المعرفة قوة الأخلاط الرديئة ويدفع عن الإنسان الأمراض والوجع والسهر بما يتقدم فيه من العلم بعلاجه إ ياه وقد ينقص الفضول الرديئة من البدن أو يخرجها منه حتى لا يتأذى بها الإنسان فإذا علم الطبيب ببعض ما يستدل به من الدلالات الصادقة أن ذلك المرض لا يذهب وأن صاحبه لا يبرأ وإنه يموت في مرضه ذلك أخبر المريض بأنه يتلف فيقدم المريض فيما يحتاج إليه في إصلاح أموره فتقدمة معرفة المتطبب بالأمراض والعلاجات نافعة جدا وهذا الذي ذكرنا من تقدمة معرفة العامة والأطباء بالأشياء ئنما إنما أردنا بها القياس على صناعة النجوم لأن المنجم العالم إذا رأى في تقدمة العلم من قوة حركات الكواكب أن بعض الناس يصيبه مكروه فإنه يتقدم إليه بالقول في ذلك لأن تقدمة العلم من صناعة النجوم بما يصيب الإنسان من المكروه في الزمان المستقبل نافعة جدا وهي على خمس جهات واحدة منها عامية وأربع خاصية فأما الأولى فهي المكروه الذي إذا عرفه الإنسان فربما أمكنه دفعه وربما لم يمكنه وهي عامية وأما الثانية فهي المكروه الذي إذا تقدمت معرفة الإنسان به قدر أن يدفعه عن نفسه بكنهه وأما الثالثة فهي المكروه الذي إذا تقدمت معرفته به قدر أن يدفع عن نفسه بتقدمة العلم به بعضه وأما الرابعة فهي المكروه الذي يعلم بتقدمة علمه أنه يصيبه ثم يزول عنه بعد وقت معلوم وأما الخامسة فهي المكروه الذي إذا تقدمت معرفته به لا يقدر على دفعه على نفسه البتة
فأما الأولى العامية التي تقدمت معرفته بها من علم النجوم فربما أمكنه دفعها وربما لم يمكنه فإنما يعرف ذلك من تحاو يل سني العالم وهو كالوباء العامي وكالطاعون والزلازل والحروب والقتل والقتال والقحط وهلاك البهائم والثمار التي تعم أهل إقليم أو مدينة فتقدمة العلم بهذا وشبهه نافعة لأنه إذا تقدمت معرفة الإنسان بذلك تقدم في التحرز منه لنفسه ولغيره بما يمكنه التحرز به من مثله قبل حدوثه بالانتقال والتحو يل من ذلك الموضع وبما أشبه هذا فإنه ربما أمكنه أن يدفع عن نفسه مثل هذا المكروه بمثل هذه الحيلة وإذا لم يتقدم علمه في حدوث ذلك الشيء ثم حدث اشتد جزعه عند حلول ذلك المكروه ولم تمكنه الحيلة في دفعه عنه فربما تهور فيه أو كالقوم الذين عرفوا بتقدمة علمهم بالنجوم أن عدوا لهم يهجم عليهم فربما أمكنهم دفعه عنهم بالحيلة وربما لم يمكنهم وأشياء أ خر من هذا الجنس
Page 158