فأما الأطباء فإنهم يستعملون تقدمة العلم بالأشياء من جهة اختلاف أحوال الزمان وتغيير الطبائع والأخلاط ويعرفون من هذا ما لا يعرفه غيرهم من جميع الصناع الذين ذكرناهم أولا لأن الأطباء قد يتقدم علمهم بمنفعة العلاج في وقت انتقال الأزمنة من حال إلى حال وقد تتقدم العامة أيضا في ذلك الوقت في إحراز الأبدان من العلل والأمراض لأنه إذا كان في وقت الفصل الربيعي تقدمت العامة بما وجدت بطول تجاربها من تغيير مزاج أبدانها عند انتقال الفصول في إحراز الأبدان من الأمراض والعلل بالعلاجات وتقدمت الأطباء بتقدمة علمها بتغيير تلك الأبدان عند اختلاف الزمان عليهم فيما يستقبلون بسقي الأدوية والفصد وسائر العلاجات خوفا من أن يهجم عليهم الفصل الصيفي بحرارته فيجد في أبدانهم الأخلاط الرديئة العفنة الحادة فتجتمع حدة تلك الأخلاط مع حرارة الهواء فيغلب على مزاجهم الحرارات المفسدة للأبدان فيمرضون وكذلك يتقدمون في العلاجات والتحرز من الأمراض في كل أوقات السنة وأيامها فيتحرزون في وقتهم ذلك مما يخافونه في الأوقات التي تستقبلهم عند اختلافها عليهم فقد طلبت العامة التحرز للأبدان من الأمراض بعلاج الأطباء لها وذلك لما تقدم عندهم من العلم بالتجارب أن كثيرا من الأبدان تعتل وتمرض عند اختلاف الزمان والطبائع عليها وأيضا فقد يكون بالإنسان العلة من فساد بعض الأخلاط فيهيج به في وقت معلوم من السنة أو من اليوم فيتقدم قبل هيجانها بالتحرز من ذلك المرض في استعمال الأدوية التي تخرجها أو تنقصها أو تسكنها فيدفع عنه أذى ذلك الخلط الرديء كله أو بعضه على ما يمكن في مثله
Page 154