فهم يؤتون في خطائهم من جهتين أما إحداهما فقلة علمهم بهذه الصناعة وأما الثانية فإن غرضهم المنفعة فإذا سألهم السائل الذي له القدر عن شيء قصدوا في الجواب عنه إلى الشيء الذي يفرح به ويقع بموافقته فيخبرونه أن النجوم تدل على ذلك الشيء توخيا منهم بمسرته وطمعا في ماله ويوقتون له الأوقات الكاذبة فيتعلق قلب السائل بها فيتعجلون منه بذلك المنفعة وحسن الرأي والزيادة في الجاه والقدر ويكون معاملتهم لأصناف الناس كلهم على مثل هذه الحال التي وصفنا فتذم العامة أهل هذه الصناعة كلهم ويذكرونهم بالمكروه ويكذبونهم فيبتلى العلماء بها من ذكر العامة إ ياهم بالمكروه بسبب القوم الجهال الذين يدعون علمها ممن تقدمت صفتنا لهم وليس تلائم العامة على ذمهم أهل هذه الصناعة وفيهم من يعلم مثل هذه الأشياء وإنما يتعجب من كان له تمييز ومعرفة فظهرت له هذه الحالات من الكذب والتمو يه من بعضهم فسمع منه وقبل قوله ووثق بما يخبره به أو ظن أن لقوله حقيقة وقد كان حقيقا على المدعين لهذه الصناعة أن يستعملوا أنفسهم فيما يجب عليهم تعليمه قبل النظر فيها ثم يترقون بعلمهم بتلك الأشياء ئلى إلى هذه الصناعة الشريفة الجليلة السارة للنفس الفصل السادس في منفعة علم الأحكام وإن تقدمة المعرفة بالأشياء الكائنة في هذا العالم من قوة حركات الكواكب نافعة جدا
إن قوما قالوا إن كان علم النجوم حقا كما زعمتم فهو علم لا منفعة فيه لأن الذي يدل عليه النجوم إنما هي الأشياء التي تكون وهذا شيء لا حاجة بالإنسان إليه لأنه إن كان ذلك الشيء خيرا أو سرورا فإنه سيناله في وقته وتقدمة العلم به لا منفعة فيه وإن كان ذلك مكروها فإنه بتقدمة معرفته به يتعجل الاغتمام ثم يعقب تلك المعرفة الاغتمام بها والفكرة في الخوف منها إلى وقت حلوله به ولا يقدر العالم بصناعة علم النجوم على دفع ما هو كائن من المكاره وقد غلط هؤلاء وتركوا سبيل التمييز والمعرفة ولم يعرفوا فضيلة هذا العلم ولا منفعته وإنما يعلم منفعة هذا العلم من يعلم منفعة تقدمة العلم بالأشياء الكائنة على أن هؤلاء الذين دفعوا المنفعة بهذا العلم إنما دفعوا اسم هذا الشيء فقط لأنهم لم يعرفوه فأما معنى الشيء فهم يستعملونه لأن كل الناس من العامة وذوي التمييز قد يستعملون تقدمة المعرفة في الأشياء التي يمكنهم معرفتها والتحرز من مكروه ما يخافون منها وإن لم يقدروا على دفع ذلك الشيء بعينه فإنهم يدفعون على أنفسهم كثيرا من الأذى والمكروه الذي يصيبهم من ذلك الشيء بقدر الطاقة
Page 150