الصنف العاشر وأما الصنف العاشر وهم العامة أيضا فإنهم دفعوا علم هذه الصناعة لما رأوا من كثرة خطاء من قد يدعيها وذلك لأن العامة إنما يقبلون الأشياء على التمييز الظاهر فلما رأوا كثرة خطاء من يدعي من هذه الصناعة فيما يسألون عنه من أحكام النجوم كذبوا بها ودفعوها ونسبوا أهلها إلى الجهل وقالوا هي صناعة باطلة ولو كانت صادقة لما كثر خطاء المدعين لها فيما يسألون عنه وهؤلاء غير ملومين في ردهم علم هذه الصناعة لأن أكثر من يدعيها إنما هم قوم من جهلة الناس وسقاط الأمم ينسبون أنفسهم إلى العلم بها وهم بها جهال ويضعون أنفسهم من معرفتها بحيث لا يحسنونه غلطوا عن الفهم والتمييز ورفعوا أنفسهم عن الاختلاف إلى العلماء والتعلم منهم وإنما يقرؤون بعض الكتب المستغلقة المعنى التي لا يفهمونها أو الكتب التي لا يوثق بعلم من ألفها فيجدون في معنى واحد شيئين مختلفين لا يدرون أيهما أصوب فإذا سألوا عن جنس ذلك المعنى مرة بعد مرة استعملوا في النظر فيه في كل مرة أصلا خلاف الأصل الأول لقلة علمهم بطبائع الكواكب وحالاتها ودلالاتها ويستعملون باسم هذه الصناعة ألوان التمو يه والخدع ويخدعون ضعفاء العقول من النساء والقوم المنكوبين والمغتمين من ذوي الأقدار والراغبين الراجين الآملين لأنواع السعادات من الملك والقدر والزيادة فيهما وربما تهيأ لأحدهم صواب واحد عند بعض هؤلاء باتفاق القول عن غير معرفة منهم بمعنى ذلك القول فيذكرونه ويفتخرون به ويستأكلون به صاحبه ويتناسون ما سلف من كثير خطائهم وكذبهم في سالف الأيام وهؤلاء قوم إنما قصدهم الكسب والنيل لا العلم والحكمة والتبحر في علم هذه الصناعة لأن من أراد أن يتبحر في علم أحكام النجوم فإنه يحتاج إلى معرفة الأشياء التي ذكرناها قبل لتكون تلك الأشياء سببا إلى علم هذه الصناعة وهي اختلاف حالات الكواكب ومعرفة الطبائع واتفاقها واختلافها واختلاف الأقاليم وحالاتها واختلاف أحوال الحيوان والنبات والمعادن وما يحدث في كل واحد منها عند انتقال الأزمنة في الأقاليم وسائر ما ذكرنا فيما تقدم وما نذكره فيما يتأخر ومعرفة هذه العلوم إنما يمكن في زمان كثير وبتعب شديد يعجز هؤلاء عن معرفة بعضه
Page 146