فنقض الفيلسوف قولهم وثبت الممكن بحجج كثيرة ثم ذكر بعد ذلك أن الممكن يؤول إلى الواجب أو إلى الممتنع فالحجة الأولى في تثبيته للممكن أنه قال إن الواجبة والممتنعة معروفة في الأوقات الثلاثة بالموجوب أو الامتناع بطبيعتها فأما أفاعيلنا فهي خلاف ذلك لأنها ممكنة وذلك كمعرفتنا بالشمس إنها كانت مضيئة في الزمان الماضي وهي مضيئة الآن وتكون مضيئة فيما يستقبل وكمعرفتنا بالنار إنها كانت حارة وهي حارة الآن ويكون حارة وكذلك إن قلنا إن النار والهواء والماء والأرض كما هي الآن كذلك كانت وكذلك تكون فقد يعلم أنه صدق في الأوقات الثلاثة وهذا هو العنصر الواجب فأما العنصر الممتنع فكقولنا الإنسان كان طائراوالإنسان يطير الآن وممكن أن يطير فيما يستقبل وكذلك إن قلنا إن النار كانت باردة وهي باردة وتكون باردة فإن ذلك معروف أنه ممتنع في الأوقات الثلاثةوهو كذب فقد صار الواجب والممتنع معروفين في الأوقات الثلاثة بالوجوب أو الامتناع بطبيعتها فأما أفاعيلنا فإنها ليست كذلك لأن الإنسان إن قال كنت فيما سلف فاعلا للخير وأنا الآن فاعل للخير فإنه لا يقدر أن يقول أنا فيما استقبل أفعل الخير لا محالة لأنه لا يدري يمكنه ذلك أم لا فإذا لا يعلم الإنسان ما يريد أن يفعله علما لا شك فيه فليست هذه اضطرارا بل هي ممكنة فالممكن موجود
والحجة الثانية أنه قال إن الواجب والممتنع كل واحد منهما في جميع النوع بالسوية والممكن ليس بمستو فيه وذلك أن الحياة موجودة في جميع الناس بالاستواء والحرارة مستوية في كل النار لا يقبل شيء منها الزيادة والنقصان وكذلك جميع الممتنعة بعدها مستو عن جميع أهل النوع لأن جميع الناس يقال فيهم بالسوية إنهم لا يطيرون وإن النار غير باردة فأما الأفاعيل فليست كذلك لأن في نوع الإنسان من يعمل الخير ومنهم من يعمل الشر ومنهم من يكون عمله للخير أو للشر أكثر من عمله للآخر فإن كانت جميع الواجبة لاحقة بأهل النوع كلهم بالاستواء والممتنعة بعيدة من جميع أهل النوع كلهم على الاستواء وهما لا يتغيران وأفاعيلنا ليست بمستوية في النوع بل هي متغيرة من الخير إلى الشر ومن الشر إلى الخير في وقت بعد وقت ومن القلة إلى الكثرة ومن الكثرة إلى القلة وهي تقبل الزيادة والنقصان فهي إذا ممكنة فالممكن موجود
Page 114