وأما بيان حده وحقيقته عند الفقهاء والمتكلمين:
فقال أصحابنا ﵏ بأن حكم الله تعالى صفة أزلية (١) له: هو (٢) فعله، وكون الفعل الحادث واجبًا وحسنًا وحرامًا وقبيحًا محكوم الله تعالى (٣) يثبت بحكمه، وهو إيجاده الفعل الحادث (٤) على هذا الوصف، وهو بناء على مسألة التكوين والمكون، فإن التكوين والإيجاد والإحداث والتخليق عبارات (٥) عن صفة أزلية لله تعالى وهو فعله حقيقة، والمكون مفعوله وحادث بإحداثه الأزلي لوقت وجوده- ولهذا قلنا: إن الله تعالى خالق لم يزل، ولله تعالى فعل واحد لكن تختلف تسمياته باعتبار الإضافة إلى وصف المفعول، فإن كان وصف المفعول كونه حادثًا يسمى فعله "إحداثًا" وإن كان أثره الوجوب يسمى "إيجابًا"، وإن كان أثره الحرمة يسمى "تحريمًا"- وهذا لأن خالق الحوادث كلها هو الله تعالى لا خالق سواه ولا صانع غيره، سواء كان الحادث جسمًا أو جوهرًا أو عرضًا حقيقيًا أو حكميًا من الحسن والقبح والحرمة وغيرها.
لكن في عرف الفقهاء وأهل الكلام يسمى كون الفعل واجبًا أو مندوبًا أو حسنًا أو قبيحًا أو محرمًا، حكم (٦) الله تعالى، لكن (٧) المراد به محكومه عندنا بطريق المجاز، إطلاقًا لاسم الفعل على المفعول.
ثم (٨) المحكوم: كونه حسنًا وواجبًا، أو (٩) الوجوب والحسن ونحو ذلك، لا نفس الفعل الذي اتصف بها، لأن نفس الفعل حصل
_________
(١) الأزل القدم. قال الجرجاني في تعريفاته: الأزل استمرار الوجود في أزمنة ممقدرة غير متناهية في جانب الماضي. كما أن الأبد استمرار الوجود في أزمنة مقدرة غير متناهية في جانب المستقبل. (وانظر المعجم الوسيط).
(٢) في ب: "وهي".
(٣) "تعالى" من ب.
(٤) "الحادث" من ب.
(٥) في ب: "عبارة".
(٦) في ب: "أو قبيحًا ونحوها حكم".
(٧) في ب: "والمراد".
(٨) في ب: "و".
(٩) كذا في ب. وفي الأصل: "و".
1 / 17