ثم لما شرعت في الشرح والبيان، على وجه الإحكام والإتقان، ولم أملك عنان القلم في فيض (١) ما فوض (٢) من الكلم، وكرهت أيضًا أن يفوتني ما يظهر من الحكم، فقيدتها بالكتابة والرقم - التفت الكتاب إلى التطويل والإطناب، فملت إلى ما هو المتوسط في الباب: لا (٣) القصير المقصر، ولا الطويل المنفر. ثم خطر ببالي أن ذا مما يمل به بعض الطلاب، وإن كان يراه البعض من أصوب (٤) الصواب، إذ الطلبة بين ريض مبتدئ، وبين مرتاض منته، والمبتدئ إلى الإختصار أميل، لأن حفظه وضبطه أسهل، والمنتهي يميل إلى الإطناب والإكثار، ليختار برأيه ما هو المختار- رأيت الأصوب في أن أتمم (٥) المتوسط الذي كنت فيه شارعًا، وأحذف الزوائد (٦) عنه، فيكون مختصرًا جامعًا، ويتم الأمران على الصحبة والقرآن، إذ الشروع (٧) في قصد التقرب ملزم، والإعراض عن الخير أشام.
ولما كان الكتابان متحدين من حيث الغرض، وإن تصورا مختلفين من حيث العرض (٨)، جعلت مقدمتهما واسمهما واحدًا، وإن كان أحدهما في الطول والعرض زائدًا، بل ازدادت كل مقدمة "المختصر" لما (٩) مهدت فيه من العذر المعتبر.
_________
(١) و(٢) في ب: "في قبض". والفيض الكثير الغزير. وفاض الماء فيضًا وفيوضًا وفيضانًا كثر حتى سال. وفوض إليه الأمر رده إليه (المعجم الوسيط، والقاموس).
(٣) "لا" ليست في ب.
(٤) في ب: "من أصول الصواب".
(٥) في ب: "رأيت من الأصوب أن أتمم".
(٦) في ب كذا: "وأعيد الرواية".
(٧) في ب: "الشرع".
(٨) في ب: "الغرض".
(٩) في ب: "بما". و"المختصر" هو هذا.
1 / 6