إن الحرارة التي تكون في بطن الأرض في الشتاء إنما تكون من قبل انقباض الأرض لأن الأرض تنقبض من البروضة ورطوبة المطر وليس يكون فيها مواضع يتحلل منها البخار وقد نرى ذلك أنا إذا أمطرنا فقام الماء على الأرض مجتمعا لم ينزل في الأرض كثيرا لأن الأرض منقبضة وكذلك البخار أيضا يرجع إلى خلفه لأنه لا يجد موضعا يتحلل فيه فيجتمع على الماء الذي في بطن الأرض.
إن الأشياء التي تكون على ضد ما قلنا أعني أنها تكون متفرقة يصير إليها الهواء لا تعفن سريعا وتنجو من الرطوبة.
إن العيون والآبار والينابيع تكون في الشتاء حارة لأن الأرض التي تحيط بها تكون منقبضة ولانقباض الأرض ترجع الحرارة التي تريد أن تخرج إلى فوق إلى الماء السخن فيسخن الماء لأنه لا يذخل إليه هواء ببرده وإن الماء إذا كثر يجعل له طريق يجري فيه وكذلك الماء القليل أيضا لأن الماء ليس يقوم في موضع واحد من الأرض ولكنه يجري كل حين حيثما وجد طريقا.
إنه لو تحلل البخار في الشتاء من الأرض كان يقل الماء ولم يكون يكثر في العيون.
إنما كان كلامنا وقولنا في الزرع والغرس وقلنا إنها تغتذي من الأرض ووصفنا صفة الأرض وكيف تكون في الصيف وفي الشتاء ثم أخبرنا من بعد هذا سبب تحليل الهواء المحيط بالأرض.
وقلنا إن الشمس بحرارتها قوية وهي تجذب الرطوبة من الأرض في الصيف وتجعل فيها مواضع لتحليل البخار الذي فيها.
Page 73