De la transmission à la création
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Genres
11
كانت النية حاضرة، وما زالت، في كتابة دراسة خاصة عن لاهوت التحرير عرضا ومناقشة ونقدا، إهداء إلى الأخوة أقباط مصر، لبيان إمكانية تثوير الدين إذا كان ما زال يغلب عليهم الاتجاهات المحافظة ومساعدتهم على التحديث والعلم بما يدور حولهم من اجتهادات النصارى في الخارج.
12
كان يمكن إكمال هذا النقص في الهوامش لمن شاء المقارنة، وإثارة للأسئلة، وتفتيحا للموضوعات، ووضعا لبرامج في المستقبل لجيل جديد من الباحثين. ربما ما زال هناك فصل حاد بين الجبهتين الأولى: موقفنا من التراث القديم، والثانية: موقفنا من التراث الغربي، كرد فعل على التعالم باستعمال الثقافة الغربية والزهو بمعرفتها، والدراية بأسماء أعلامها ومذاهبها، وحتى يحظى الباحث بحظوة تجعله أقرب إلى المحدثين منه إلى القدماء، وتخفيفا للشعور بالنقص من القدماء أمام المحدثين. (ح)
غلبة الإنشائية على المقدمة والخاتمة، وبعض أجزاء الخطاب في الداخل جعل العلماء ينأون عنه والسياسيين يبرءون منه. والإنشائية أيديولوجيا وليست علما، وعظا وليست تحليلا، خطابة وليست برهانا. وأخذ البعض ممن لا يقوى على الصبر هذه الأجزاء الإنشائية لنقد الكتاب كله وبالتمايز عنه، وهم علماء لا خطباء، عقلانيون لا دعاة. كان السبب الإجرائي هو أن «التراث والتجديد» كان مقدمة «من العقيدة إلى الثورة»، فلما صدر بمفرده قبل صدور الكتاب بثمانية أعوام، جاء الكتاب خاليا منها ومن أية مقدمة أخرى. وطال الوقت بحثا عن مقدمة بديلة، وأخيرا استقر العزم على تقليد القدماء بعد معرفة مقدماتهم. وكانت في معظمها مدحا لله وللسلطان. وجاءت مقدمة الكتاب قلبا لمقدمة القدماء، كما أن الكتاب كله قلب لعلم الكلام القديم رأسا على عقبة، انتقالا من مدح السلاطين إلى الدفاع عن الشعوب. وجاءت الخاتمة أقل إنشائية أيضا، قلب للقدماء من الفرق بين الفرق إلى الجمع بين الفرق، ومن الفرقة الناجية إلى الوحدة الوطنية. وكان السبب الفعلي هو أن الجمهور جزء من الخطاب حتى يحدث أثره فيه. ولما كان للجمهور لغته وأسلوبه، غلبت بعض الإنشائية في التحليل تحقيقا لهدف الانتشار في الغالبية على التأثير في الأقلية، وإيثارا للعلم النافع على العلم الخالص؛ فالعلم حركة وتغير ونشاط وفاعلية وتاريخ. ليس الهدف من العلم النظر بل العمل. والنظر ما هو إلا مقدمة للعمل، وقد يكون البحث النظري الخالص أحيانا ترفا لا قبل للتاريخ به إذا كان المنزل يحترق ويحتاج لمن يطفئ النار. صحيح أن البحث النظري على الأمد الطويل هو الحل الجذري، ولكن في مجتمعات مستقرة استطاعت أن تفي بالحد الأدنى من الخدمات والحاجات الأساسية والاستقلال والكرامة والوطنية. وهناك الأسلوب الفلسفي الذي يجمع بين التحليل العلمي والأسلوب الأدبي، يعرفه الخاصة والعامة، ويفي بشروط البحث النظري والبيان للناس.
13 (ط)
لم يحدث «من العقيدة إلى الثورة» الأثر المطلوب، ولم تقم الدنيا ولم تقعد. لم يحدث تحول في عقائد الناس، ولم تقع هزة في أروقة المتخصصين، بل ربما زادت العقيدة تكلسا وتشيؤا، وانقلبت الثورة على نفسها في ثورة مضادة. يرن عن بعد وليس له إلا رجع الصدى، ربما لتضخمه مما جعل البعض يطلب اختصاره في جزء واحد.
14
ربما لهموم الناس اليومية وانشغالهم عن العلم التأسيسي على الأمد الطويل. ربما لأننا نعيش في عصر الاستقطاب بين العقيدة والثورة؛ أي بين السلفية والعلمانية إلى حد الاقتتال وسفك الدماء، وبالرغم من نهاية عصر الاستقطاب في العالم وبداية العولمة عند غيرنا. ربما ليس له منبر شعبي يبسطه للناس وتقام فيه معاركه بالرغم من محاولة ذلك في «اليسار الإسلامي». ربما ليس له جماعة تطوره كما هو الحال في الجماعات والمدارس التي تنشأ حول المذاهب وأصحابها. ربما ليس له حزب يتبناه؛ فقد كبا الإصلاح الذي أراد «من العقيدة إلى الثورة» إقالته من عثرته وتطويره من أجل لم الشمل والوحدة الوطنية.
15
Page inconnue