De la transmission à la création
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Genres
كان يمكن في مرحلة أخرى أن يصبح للجديد الأولوية على القديم، ولكن تضخم العمل في خمسة مجلدات جعل أي إضافة له بمثابة انتحار عملي. كما أن زيادة الجديد على القديم قد تقلل من آليات التخفي والحذر، وبيان إمكانية خروج الجديد من القديم كما تنص البعير بإخراج رأسها دون جسدها وترك إكمال الخروج لأجيال قادمة؛ فالتغيير على الأمد الطويل خير من الفرقعة على الأمد القصير. ومع ذلك فإن علوم الحكمة أكثر أمانا من علم أصول الدين، وعلوم للخاصة وليست علوما للعامة. فهل يؤدي ذلك إلى أن يكون للجديد الأولوية على القديم، وأن يتجه نحو الإبداع أكثر مما يتجه نحو النقل؟ إن الإسراع بمعرفة النتائج دون المقدمات، وبالحصاد قبل الزرع، وبالثمار قبل البذور، أمر بشري. ولكن التأسيس والتأصيل والبرهان ضرورة علمية؛ لذلك قد يغلب القديم على المجلدين: الأول «النقل»، والثاني «التحول». وقد يبدأ الجديد في المجلد الثالث «الإبداع» على حذر؛ فالأفضل أن يتولد الجديد من القديم، وأن يخرج الإبداع من النقل على نحو طبيعي، وربما على نحو خفي يصعب استئصاله.
7 (ه)
زادت نسبة الهوامش والنصوص الحرة مما جعل الكتاب مثقلا متضخما، قد لا ترن في آذان جميع القراء، وقد لا تثير عواطفهم ووجدانهم. بدت تكرارا لا فائدة منه. كان من الأفضل أخذ عبارات دالة أو تحليلها حتى تتحول إلى نصوص مدروسة وليس مجرد نصوص خام. وقعت مغالاة في إيراد النصوص حتى إنها بلغت نصف كل صفحة؛ أي نصف الكتاب، مجلدان ونصف من خمسة مجلدات، وأين القارئ اليوم الذي يستطيع استيعاب ذلك كله؟ ألا يؤدي ذلك التضخم إلى عكس المطلوب، أن تصبح العقيدة من عمل الخاصة وليست تنويرا للعامة؟ كان الهدف إشراك القارئ مع المؤلف في نفس التجارب، التعامل مع نص قديم مثير للأذهان، ومقلق للأعصاب، إشراكهم في الغضب والثورة، خاصة فيما يتعلق بنصوص السلطان، وإشراكهم في التأييد والدفاع، خاصة عن نصوص المعارضة وإبرازها للمعاصرين. فالجرأة في العقائد لها ما يساندها أيضا عند القدماء في تراث المعارضة الذي ضربت حوله مؤامرة الصمت وأصبح في طي النسيان. وقد يكون العذر في ذلك استعمال بعض آليات التخفي؛ فعلم العقائد ليس من السهل التعرض لنصوصه بالفهم والتأويل بعد أن أصبح علما مقدسا في الأذهان، وأصبح إنتاج القدماء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فالنص القديم المثير للغضب يشارك القارئ فيه وينفعل به غاضبا نظرا لتجدد حاجات العصر. والنص القديم المثير للتأييد والدفاع عن حاجات العصر يحمي المؤلف من الاتهام بالخروج على السلف وأقوال القدماء. لو كان في النص القديم شر فهو منهم ننقطع عنه، ولو كان فيه خير فهو منا نحرص عليه. لو أثار النص الجديد أنصار القديم فهو نص القدماء، ولو أعجب النص القديم أنصار الجديد فهو نص المحدثين. ولا فرق في آليات التخفي بين استعمال نصوص القدماء أو نصوص المحدثين.
8
ومع ذلك لم يسلم الكتاب من الهجوم عليه من غير المتخصصين والمزايدين، والمتملقين للأذواق العامة، والراغبين في الشهرة، والحريصين على السيطرة على الرأي العام، شفطا للدولة والمجتمع من أسفل، بدلا من الانقلاب عليهما من أعلى، مجرد زوبعة لم تتحول إلى إعصار. (و)
غابت التحليلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تبين نشأة الأفكار والعقائد القديمة وحاجات العصر الحديثة وتجاربه ومطالبه، وحتى لا تبدو الأفكار طائرة في الهواء، لا مستقر لها ولا مكان. غاب البحث في تكوين النصوص وتدوينها وصياغة العقائد وتكلسها حتى يمكن بيان نشأتها في التاريخ قبل أن تصبح مقدسا خارج التاريخ مع أن البحث في النشأة والتكوين كان جزءا من التراث والتجديد.
9
وكان الاستماع إلى هذا النقد المستمر من علماء الاجتماع والمؤرخين يهز الأعماق ويجد له مهربا في تحليل الشعور. كان يشفع في ذلك أن المنهج المختار يبرأ عن رد الظواهر إلى أسبابها الاجتماعية فحسب، ويؤثر إبقاءها تصورات في الذهن وأبنية في الشعور في مجتمعات تراثية ترى حقائق مطلقة في وعيها، وأن وحيها خارج التاريخ. ومع ذلك فإن بيان نشأتها في ظروف اجتماعية معينة، وفي أتون الصراعات السياسية، يساعد على استعمالها في عصرنا كسلاح فكري بدلا من ممارسات المعارضة استنادا على تراث السلطة. الأفكار والعقائد وظائف اجتماعية وفاعلية في الجدل الاجتماعي، ولكن خشية الوقوع في منطق النشأة والتكوين حدث رد الفعل في الوقوع في منطقة البنية والماهية المستقلة. والجمع بين التاريخ والبنية في منهج مزدوج يفي بالمطلبين، حق الواقع الحامل للفكر، وحق الفكر المستقل عن الواقع. ولا ضير أن تتكامل المناهج، وأن تتكاتف الجهود، وأن تتعدد الرؤى، وكل ميسر لما خلق له.
10 (ز)
غياب المقارنات مع الفكر الغربي بوجه عام ولاهوت التحرير بوجه خاص حتى يجد الكتاب مستقرا له وميدانا وعلما قائما يربط نفسه به ويضع نفسه فيه. وإذا كانت الغاية من «التراث والتجديد» هو التحديث، فأين الحداثة؟ كان الخوف من المقارنات ناشئا عن رفض التحديث من الخارج عن طريق الانتساب إلى رؤية أو مذهب أو منهج غربي، ثم قراءة التراث ابتداء منه، إسقاطا أو قراءة أو تحليلات، وإيثار التحديث من الداخل بفعل الاجتهاد، وإعادة قراءة القديم بناء على متطلبات الحديث وحاجات العصر.
Page inconnue