وتكلَّمَ في تعجُّزِهم عَنْ إقامةِ الدَّليلِ على استحالةِ إلهَيْنِ وتعجيزِهم عَنْ بيانِ أنَّ الأوَّلَ ليسَ بجسمٍ، كما بيَّنَ بُطلانَ مذهبِهم في نفيِ الصِّفاتِ وإبطالِ قولِهم: إنَّ ذاتَ الأوَّلِ لا تنقسمُ بالجِنسِ والفَصل، وإبطالَ مذهبِهم في أنَّ الأوَّلَ موجودٌ بسيطٌ بلا ماهيّةٍ، مَع أنَّ الرَّدَّ عليهم وبيانَ فسادِ قولِهم يَحتملُ أكثرَ ما ذَكرَهُ أبو حامدٍ، وإنْ كانوا في بعضِ المواقفِ يقولونَ: إنَّهُ لم يُنصِفْهم في المناظَرةِ كما أنَّهُ في مواضعَ قد يوافقُهم على أُصولٍ باطلةٍ لكنَّهُ قد أحسنَ في الرَّدِّ عليهم في أكثرِ هذهِ المسائل، وبيَّنَ بما ذَكرَهُ مِنْ فسادِ قولِهم ما فيهِ عبرةٌ لأُولي الألبابِ.
والمقصودُ هنا أنَّ الذي ثبتَ بالبُرهانِ أنَّهُ ليسَ بمُمكنٍ تقبُّلُ الوجودِ والعدَمِ بذاتِه، بَل نفسُهُ واجبةُ الوجودِ لا تقبَلُ العدمَ بوجهٍ مِنَ الوجوه، فلا يكونُ لهُ فاعلٌ ولا عِلّةٌ فاعلةٌ، ولما لازم لها مستغنٍ عنهُ؛ فإنَّ اللَّازمَ على المستغنَى عنهُ يكونُ وجودُهُ موقوفًا عليه، فإذا كانَ مستغنيًا عنهُ كانَ وجودُهُ موقوفًا على ما هوَ مستغنٍ عنهُ، فلا يكونُ وجوبٌ بمجرَّدِ نفسِه، بَلْ لا بدَّ لهُ مِنْ ذلكَ الغَنيِّ عنهُ.
وأمّا اللَّوازمُ المفتقِرةُ إليهِ فوجوبُ وجودِهِ لا يُنافيها، سواءٌ سُمِّيَتْ صفاتٍ أو أجزاءً أو عِلَلًا أو شروطًا أو غيرَ ذلكَ مِنَ الأسماءِ؛ فإنَّها إذا كانَتْ لا توجدُ إلّا بوجودِ الواجبِ لم يكُنِ الوجودُ الواجب بنفسِهِ ممكنًا يقبلُ الوجودَ والعدَمَ، بَلْ كانَ الوجودُ الواجبُ هوَ المقتضي لهذا كُلِّه، وهذا
_________
= من يقوله بتشديد الزاي) أو إلى غَزَالة (من قُرى طوس) لمن قال بالتخفيف. توفي سنة (٥٠٥ هـ). انظر: وفيات الأعيان (١/ ٤٦٣)، والأعلام للزركلي (٧/ ٢٢).
1 / 67