كُلُّهُ مخاطبةٌ لهم على هذا التَّقديرِ الذي فرَّقُوا فيهِ بينَ وجودِهِ وماهيَّتِه، وبينَهُ وبينَ صفاتِه، وجَعلهم فيهِ ما هوَ مغايرٌ لهُ مفتقِرًا إليه، وهذا عندنا ليسَ بمُرضٍ، بل المرضي عندَنا أنَّ وجودَ كُلِّ موجودٍ ليسَ زائدًا على ماهيَّتِه، ولكِنْ إذا بيَّنَّا فسادَ قولِهم على هذا التَّقديرِ وأنَّ المعتزلةَ وأبا عبد الله الرّازي وأمثالَهُ خيرٌ منهم وأقربُ إلى الصَّواب، كانَ هذا مِنَ العِلمِ النّافعِ لأُولي الألباب، وإذا تبيَّنَ أنَّ الواجبَ بنفسِهِ لا يَفتقِرُ إلى عِلّةٍ فاعلةٍ، ولا إلى ما هوَ مستغنٍ عنهُ لم يتصوَّرْ وجودُ واجبينِ بأنفُسِهما يكونُ أحدُهُما مفتقِرًا إلى الآخرِ، وكذلكَ لا يجوزُ وجودُ واجبينِ كلّ منهُما مُفتقِرٌ إلى الآخر؛ لأنَّ ذلكَ يَقتضي كونَ كُلٍّ منهُما واجبًا بنفسِه، ليسَ بواجبٍ بنفسِه، وهوَ تناقُضٌ، وأنَّ وجودَ كُلٍّ منهُما بنفسِهِ يَقتضي استغناءَهُ عَنِ الواجبِ الآخر، وافتقارُهُ إليهِ يُنافي هذا الاستغناءَ، فيلزمُ أنْ يكونَ كُلٌّ منهُما غَنيًّا بنفسِهِ ليسَ بغني بنفسِهِ مُفتقِرًا إلى الغنيِّ الآخر، وهذا تناقُضٌ مكرَّرٌ، فإمّا وجودُ واجبٍ مستلزمٍ لأُمورٍ لا يوجدُ إلّا مَع وجودِها فليسَ بممتنعٍ.
والمراتبُ هنا ثلاثٌ: إمَّا افتقارُ الواجبِ إلى عِلّةٍ فاعلةٍ، فهذا لا ريبَ في امتناعِه، وإمَّا توقُّفُ الواجبِ على واجبٍ آخرَ فقَد نازعَهم أبو حامدٍ في جوازِ هذا، ورُبَّما كانَ نزاعُهُ لهم فيهِ لفظيًّا كما قالَ في مسألةِ الصِّفات، وهيَ المسألةُ السّادسةُ اتَّفقَتِ الفلاسفةُ - يعني المشّائينَ - على استحالةِ إثباتِ العِلمِ والقدرةِ والإرادةِ للمبدأِ الأوَّل، كما اتَّفقَتِ المعتزلةُ عليه، وزعَموا أنَّ هذهِ الأساميَ وردَتْ شَرْعًا، ويجوزُ إطلاقُها لغةً، ولكِنْ ترجعُ إلى ذاتٍ واحدةٍ كما سبقَ، ولا يجوزُ إثباتُ صفاتٍ زائدةٍ على ذاتِه، كما في يجوزُ في حَقِّنا أنْ يكونَ عِلمُنا وقُدرتُنا وصِفاتُنا زائدةً على ذاتِنا. وزَعموا أنَّ ذلكَ
1 / 68