الإثباتِ: إنَّ الصِّفاتِ زائدةٌ على الذَّاتِ فإنَّما قالَ ذلكَ لأنَّ النُّفاةَ مِنَ الجهميّةِ المعتزِلةِ والفلاسفةِ ونحوِهم قالوا بإثباتِ ذاتٍ بلا صفاتٍ، فقالَ هؤلاءِ: لهُ صفاتٌ زائدةٌ على الذّات؛ أي: على ما أثبتوهُ مِنَ الذّات؛ أي: نحن نزيدُ في الإثباتِ على ما أثبتموهُ أنتُم، فإنَّهُ ليسَ في نفوسِكُم ما تثبتونَهُ إلَّا ذاتًا مجرَّدةً، ونحنُ نثبتُ ما يزيدُ على الذّاتِ المجرَّدة، وأمّا في الخارجِ فلا يُتصوَّرُ وجودُ ذاتٍ بلا صفاتٍ ولا صفاتٍ بلا ذاتٍ، كما في يُتصوَّرُ وجودُ حيوانٍ مُطلَقٍ بشرطِ الإطلاق، أو جسمٍ مطلَقٍ بشرطِ الإطلاق، أو إنسانٍ مطلَقٍ بشرطِ الإطلاقِ. إذا تبيَّنَ ذلكَ، فقَولُ القائلِ يُسمِّي جميعَ الشُّروطِ واللَّوازمِ التي لا توجدُ إلّا بها عِلَلًا، ونقولُ: إذا كانَ وجودُهُ متوقِّفًا عليها كانَ معلولًا هوَ بمنزلةِ قولِهِ: تُسمَّى تلكَ الشُّروطُ واللَّوازمُ أغيارًا، والواجبُ بنفسِهِ لا يَفتقِرُ إلى غيرِه، وبمنزلةِ قولِهم: لو كانَ لهُ صفاتٌ لَكانَ مُركَّبًا، والمركَّبُ مُفتقِرٌ إلى جُزئِه، وجُزؤُه غيرُهُ، والمفتقِرُ إلى غيرِهِ لا يكونُ واجبًا، فهذهِ العباراتُ جميعُها ألفاظٌ فيها إجمالٌ واشتباهٌ وإبهامٌ وإيهامٌ، والذي قامَ البُرهانُ على نفيهِ عَنْ واجب الوجودِ لا يدُلُّ على مقصودِهم الذي ينازعُهم فيهِ المسلموَنَ وسائرُ أَهلِ المِلَل، بَلْ ولا على مقصودِهم الذي ينازعُهم فيهِ الصِّفاتيّةُ، بَلْ ولا على مقصودِهم الذي ينازعُهم فيهِ مَنْ يقولُ بالجسمِ ونحوُهُ مِنَ الصِّفاتيّةِ.
وأبو حامدٍ الغزاليُّ (١) قد تفطَّنَ لكثيرٍ مِنْ تلبُّساتِهم في هذا المقامِ،
_________
(١) هو: محمد بن محمد بن محمد الغَزَالي الطوسي، أبو حامد حجة الإسلام، له نحو مئتي مصنف. مولده ووفاته في الطابران (قصبة طوس، بخراسان) رحل إلى نيسابور، ثم إلى بغداد فالحجاز فبلاد الشام فمصر، وعاد إلى بلدته. نسبته إلى صناعة الغزل (عند =
1 / 66