وعندنا يكفر المسلم المحقق باستحالة السكنى في دار الحرب؛ لأن المعلوم من دين النبي خلافه، لأن عندنا إن حكم من اختار سكنى دار الحرب على دار الإسلام يخرجه ذلك عن الإسلام ويكفر بمجرد ذلك ولا تبقى له حرمة الإسلام، ولو كان ملتزما لجميع خصال الإسلام إلا هذه، لأن المعلوم من دين النبي تحريم مساكنة القوم إلا على من لم يجد حيلة ولا يهتدي سبيلا فحكمه والحال هذه حكم المسلمين، وعند ظهور قدرة المسلمين عليهم حرمتهم باقية متى كانت الصورة ما ذكرنا، ونرى أنه يجري عليه حكم الكفار وعلى جميع أولاده وأولاد أولاده بلا فصل ولا فرق، وعمدتنا قوله تعالى: ?أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر?[القمر:43] فجعل حكم كفر الكافرين واحدا، وهو عليه السلام فصل حكمه عن حكم أهل دار الحرب، وهذا بناه على أصل تنويع الكفر أنواعا فجعل الردة نوعا، وجعل الحرب القليل في جنب الكفار التي انحاز إلى ملتهم، وجعله لكونه مفردا لا شوكة له، بدليل: أنه في المسألة الأولى أجرى المنتقلين وهم كثرة مجرى الحربيين في سبي الذرية؛ ونحن نعتبر الشوكة أيضا ولكنا نجعل حكم المتنقل إلى القوم حكمهم، سواء كان كافرا أي كفر كان فحكمه حكمهم، وشوكته شوكتهم، ونجعل الحكم للأعم الأكثر كما في نظائره من الأحكام الشرعية؛ فإذا تميزت الدور وتنوعت الأحكام وتحت هذه الجملة علم وسيع لو وقع لتفصيله تمكن، وفيه إشارة كافية، لمن له معرفة وافية، فكانت ردة الرجل وامرأته عنده عليه السلام ردة من يرتد من المسلمين سواء سواء؛ لأن المسلمين ملة واحدة، وهو يستضعف في جنبهم. وكذلك حاله مع الكفار الذين هرب إليهم هو مستضعف في جنبهم فبقي الحكم الأول كأنه لم يفارق المسلمين لعدم الشوكة التي تخصه، فأما على تقدير حصول الشوكة فبعيد على التحقيق أن يكون في المسألة خلاف.
[و]حكي عن السيد أبي طالب عليه السلام أنه قال: وكلام يحيى عليه السلام يدل على أن المرتد إذا لحق بدار الحرب وظفر المسلمون بالدار ولم يسلم، قتل ولم يسترق، وهذا قول أبي حنيفة وأصحابه، والشافعي، ولا خلاف فيه، وإنما الخلاف في المرتدة إذا ظفر بها بدار الحرب فعند أبي حنيفة أنها تسبى، وعند الشافعي أنها تقتل.
قال أيده الله: وكذا يجب على أصل يحيى:
الكلام على هذا: أنه تأييد لما تقدم، ودليل على أنهم عليهم السلام جعلوا الكفر مللا، وهذا من أصولنا فجعل المرتد ملة، والكافر والنصراني والمجوسي واليهودي ملتان، كانت الشوكة ملة ملة فجعلوا المرتد المنفرد إذا انظم إلى غيره بحيث لا شوكة له فإن الحكم فيهم أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا قتلوا، فإن كانوا من العرب لم يقبل منهم إلا السيف، وإن كانوا من غير العرب فالإسلام والجزية، وكذلك الخلاف في المرتدة أنها تسبى عند أبي حنيفة، وتقتل عند الشافعية كالخلاف في المرتد في دار الإسلام بحيث تجري عليها الأحكام بلا امتناع، بخلاف الحربية فإنها لا تقبل قولا واحدا. فتأمل ذلك تجده كما قلناه بحيث لا اختلاف في ذلك، ولا خلاف في هذه إلا كما ذكرنا لك في جعل المرتد المنفرد والمستضعف ملة قائمة بنفسها. فأما حصول الشوكة في المرتد بأي وجه من وجوه الكفر فيبعد أن يكون في المسألة خلاف بين الأئمة عليهم السلام والأمة، ولولا ذلك لما أجمع الصحابة على خلافه، ولا يعلم بينهم خلاف على ما يأتي تبيانه تنبيها على ما وضعناه في الرسالة الهادية إذ لا يمكن استيفاء ذلك هاهنا، ولا وجه لإعادته للغنى بما قد تقرر ووقع.
Page 74