الأنعام ، وهي في المكيات نظير سورة البقرة في المدنيات : ( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض ) إلى قوله : ( ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ) [الأنعام : 1]. وذكر البراهين التامة ثم أعقبها بكفرهم وتخويفهم بسببه ، إلى أن قال : ( كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) [الأنعام : 12] فأقسم بكتب الرحمة على إنفاذ الوعيد على من خالف. وذلك يعطي التخويف تصريحا ، والترجية ضمنا. ثم قال : ( إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) [الأنعام : 15] فهذا تخويف ، وقال : ( من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه ) [الأنعام : 16] الآية. وهذا ترجية ، وكذا قوله : ( وإن يمسسك الله بضر ) [الأنعام : 17] الآية. ثم مضى في ذكر التخويف حتى قال : ( وللدار الآخرة خير للذين يتقون ) [الأنعام : 32]. ثم قال : ( إنما يستجيب الذين يسمعون ) [الأنعام : 36] ونظيره قوله : ( والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات ) [الأنعام : 39] الآية. ثم ذكر ما يليق بالموطن إلى أن قال : ( وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح ) [الأنعام : 48] الآية.
واجر في النظر على هذا الترتيب يلح لك وجه الأصل المنبه عليه. ولو لا الإطالة لبسط في ذلك كثير.
** ثم قال الشاطبي :
* فصل
وقد يغلب أحد الطرفين بحسب المواطن ومقتضيات الأحوال. فيرد التخويف ويتسع مجاله. لكنه لا يخلو من الترجية. كما في سورة الأنعام. فإنها جاءت مقررة للخلق ومنكرة على من كفر بالله واخترع من تلقاء نفسه ما لا سلطان له عليه ، وصد عن سبيله ، وأنكر ما لا ينكر ، ولد فيه وخاصم. وهذا المعنى يقتضي تأكيد التخويف من إطالة التأنيب والتعنيف. فكثرت مقدماته ولواحقه. ولم يخل ، مع ذلك ، من طرف الترجية. لأنهم بذلك مدعوون إلى الحق. وقد تقدم الدعاء. وإنما هو مزيد تكرار ، إعذارا وإنذارا. ومواطن الاغترار يطلب فيها التخويف أكثر من طلب الترجية. لأن درء المفاسد آكد. وترد الترجية أيضا ويتسع مجالها. وذلك في مواطن القنوط ومظنته. كما في قوله تعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا ) [الزمر : 53] الآية. فإن ناسا من أهل الشرك
Page 76