ونستطيع أن نختار التأليف أو الترجمة لهذا الموضوع، ولكني أوثر التأليف بأقلام بعض مؤرخينا، الذين يجب ألا يقنعوا بالرواية بل يهدفوا إلى التنبيه والتنوير والتوجيه.
ومن أحسن الكتب التي تنير الذهن وتنضجه، وتسدد النظرة التاريخية للدنيا والمجتمع، والحاضر والمستقبل، تلك الكتب التي تشرح لنا قصة العلوم، كيف نشأت، وكيف تطورت وارتقت إلى أن بلغت مستواها الحاضر.
وقصة علم ما، هي قصة الإنسان، أو بالأحرى ذهن الإنسان، ونظام مجتمعه.
وأنا أوثر أن نؤلف تاريخا عن الطب، منذ كان طفلا في مهد السحر، إلى أن وصلنا به إلى الأوريوماسين؛ فإن تاريخ هذا العلم وحده ينقل القارئ من الخرافة إلى الحقيقة، وحسب القارئ أن يعرف أن شارة الطب الآن هي شارة الكهنة المصريين القدماء، وأن كلمة طب في اللغة العربية تعني السحر، والطبيب هو الساحر.
وأنا لا أقصد من اختيار هذه الكتب أن أزيد المعرفة، وإنما قصدي الوحيد أن أعين المنهج، ولم أشذ هنا إلا في اختيار كتاب جيبون عن تاريخ الجهل والفساد والتوحش والفسق في الدولة الرومانية؛ وذلك لاتصالها بتاريخنا.
وإذن كتابنا السابع هو «تاريخ الطب».
أما كتابنا الثامن الذي تحتاج إليه المكتبة العربية فهو تاريخ الثورة الفرنسية، وأحب أن أجد تاريخا مفصلا عن المبادئ والأشخاص والفضائل والرذائل، قبل الثورة، وفي أثنائها، ثم في أعقابها. ومثل هذا الكتاب يجب ألا يقل عن 700 أو 800 صفحة.
ذلك أن الثورات تعد جزءا من تطور الأمم وارتقائها، وأمة بلا ثورات هي أمة منكوبة بالجمود، ويجب أن نعرف الأساس الأساسي للثورة، وهو التغير في وسائل العيش، هذا التغير الذي يحمل الذين ظلموا منه على أن يطلبوا ويحققوا تغيرات في المجتمع.
ومن هنا انعدام الثورات في الأمم التي لا تتغير وسائل العيش فيها، أي وسائل الإنتاج.
والثورة الفرنسية الكبرى هي ثورة بشرية قد عينت مناهج ورسمت رموزا وحققت حقوقا، فزادت الإنسان ثراء في الروح والمادة كما زادته شجاعة واجتراء على اقتحام المستقبل؛ ولذلك يجب ألا يجهلها رجل حر متطور، وعلينا ألا ننسى أن كلمة «المساواة» لم تدخل القوانين البشرية إلا في الثورة الفرنسية.
Page inconnue