وأمرهم فيأذن سبحانه لمن شاء أن يشفعوا فيه فصارت الشفاعة في الحقيقة إنما هي له تعالى والذي شفع عنده إنما شفع بإذنه له وأمره بعد شفاعته سبحانه إلى نفسه وهي إرادته أن يرحم عبده وهذا ضد الشافعة الشركية التي أثبتها المشركون ومن وافقهم وهي التي أبطلها سبحانه في كتابه بقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ﴾ ولهذا كان أسعد الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد كما صرحت بذلك النصوص فروى البخاري عن أبي هريرة –﵁ عن النبي –ﷺ قال: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه"، وعن عوف بن مالك –﵁ قال: قال رسول الله –ﷺ: "أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئًا" رواه الترمذي وابن ماجه فأسعد الناس بشفاعة رسول الله –ﷺ أهل التوحيد الذين جردوا التوحيد وأخلصوه من التعلقات الشركية وهم الذين ارتضى الله سبحانه. قال تعالى: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ وقال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا﴾ فأخبر سبحانه أنه لا يحصل شفاعة تنفع إلا بعد رضاه قول المشفوع له وإذنه للشافع وأما المشرك فإنه لا يرتضيه ولا يرضى قوله ولا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه، فإنه سبحانه علقها بأمرين: رضاه عن المشفوع وإذنه للشافع فما لم يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة، وهذه الشفاعة في الحقيقة هي منه فإنه هو الذي أذن والذي قبل والذي رضي عن المشفوع له والذي وفقه لفعل ما يستحق من الشفاعة، فمتخذ الشفيع مشرك لا تنفعه شفاعته ولا يشفع فيه ومتخذ الرب إلهه
1 / 50