هذا الاعتقاد الشريف فى إله منزه عن كل عيب مستحق لكل كمال هو أساس الدين. وإن وراء المادة وجودا أعلى يجب اليقين فيه والاستمداد منه. والله جل شأنه لم يدع الخلق دون رعاية وهداية، بل تعهدهم بالوحى الذى ينير لهم الطريق ويعرفهم المبتدء والمنتهى. وما الوحى؟ إنه ليس حديث نفس، ولا ارتقاء فكر، إنه تعاليم حملها ملك، وتضمنتها كتب، واصطفى لها بشر. واستمعت إليها الأمم على مر العصور من أناس يعلمون عن ثقة وصدق أنهم مرسلون من لدن الله إلى عباده لإبلاغ كلماته. ومن هنا كان من تمام الإيمان بالله، الإيمان برسله وكتبه وملائكته. لابد لتمام الإيمان من أن يعترف البشر بما وراء المادة، وبالعلم الذى تمخض عنه الوحى السماوى. إن الإيمان بعلوم الحياة الأرضية وحدها دلالة كفر برب العالمين. ولا ينجاب هذا الكفر إلا بالاعتراف بالوحى وتصديق المرسلين، والشعور بأن ما جاءوا به حق 033 وأنهم موفدون من قبل الله كى يعدوا الناس لحياة راشدة يحسن بعدها لقاؤهم لله فى اليوم الآخر. تلك عرى الإيمان كما ذكر الله فى كتابه، وبينها رسوله الأخير فى سنته. (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير). والمسلمون يرون الأنبياء جميعا اخوة. ويرون الكتب النازلة من السماء كلها شارحة لأصول الدين شرحا يصدق بعضه بعضا. ويرون الأجيال الأولى حفلت بالعديد من هؤلاء المرسلين الكرام، ولا ينتظرون نبوة جديدة فى الأجيال الأخيرة، لأن السماء ألقت كلمتها الأخيرة، فى القرآن الكريم الذى جاء به محمد خاتم النبيين. (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم) والخلاصة التى أكدها الإسلام لدين الله الذى بلغه المرسلون عامة تنحصر فى أنه: 1- لا إله إلا الله، ليس هناك إله ثان ولا ثالث. 2- استحقاق الله لكل كمال وتنزهه عن كل نقص. 3- نجاة البشر فى عبادتهم وانقيادهم لتعاليم هذا الإله الفرد كما نزلت من لدنه. 4- ليس هناك أحد يجير على الله، أو يملك التعقيب على حكمه؟ فلا شركاء ولا شفعاء. والإسلام يأخذ على أتباع الديانات السماوية الأخرى انحرافهم عن الجادة فى تقرير هذه المعانى. فالمسيحية مثلا ترى أن هناك إلها هو الأب وثانيا هو الابن، وثالثا هو الروح القدس! ثم تلحق ذلك بأن الأب هو الابن؟ وأن الثلاثة مع ذلك إله واحد!! وهذا الكلام شطر الإيمان فى المسيحية؟ أما الشطر الآخر الذى لا يتم الإيمان إلا به، فهو القول بأن الإله الابن صلب كى يرضى الإله الأب عن أولاد آدم بعد خطيئته 034 الموروثة. ولما كان الإله الأب هو نفسه الإله الابن، فمعنى هذا أن الله، قتل الله ليرضى الله.. !! والحق أن العقل البشرى تبهظه هذه الأثقال، ولذلك فهو بين أمرين إما أن يهضم نفسه فيقبل هذه الأوهام ويعتنقها على ما بها. وإما أن يطرحها ويسير وفق ما يراه. وذاك سر البراكين التى تثور فى الكيان الصليبى، وتجعله يقذف العالم بين الحين والحين بأشتات من مذاهب المروق والفسوق والعصيان، كالشيوعية والوجودية والإباحية وغير ذلك من عوج فى الطبيعة الإنسانية بعد ما سارت فى الأرض من غير زمام. وهاك ما يصور العقيدة المسيحية منقولا عن بعض الكراسات التى توزع اليوم للدعاية ومدعوما بالمصادر الشاهدة له من الكتاب المقدس. " إن الثالوث الأقدس هو الله الأب السرمدى وهو كائن ذاتى قادر على كل شىء حاضر فى كل مكان عالم بكل شىء، لا حد لحكمته ومحبته، والرب يسوع المسيح ابن الله الأزلي الذى به خلقت كل الأشياء وبه أيضا يتم خلاص المفديين، والروح القدس الأقنوم الثالث فى الثالوث الأقدس، وهو القوة العظيمة المجددة فى عمل الفداء. إن الرب يسوع المسيح هو الله نفسه إذ هو من طبيعة الله الأبدي نفسها وجوهره، الذى مع احتفاظه بطبيعته الإلهية اتخذ الطبيعة البشرية، وعاش على الأرض كإنسان، ومثل فى حياته، كمثال لنا، مبادئ البر، وأثبت ألوهيته بعجائب كثيرة عظيمة، ومات على الصليب من أجل خطايانا وقام من بين الأموات وصعد إلى الأب حيث الآن يشفع فينا. [ يوحنا: ا،14، عبرانيين 9:2- 18، 8: 1 ، 2 ؛ 14:4- 16؛ 25: ص . لقد توج السيد المسيح إعلانه عن محبة الله، إذ سار أخيرا إلى الصليب، وهنالك، بوصفه الممثل الكامل الأوحد للجنس البشرى، امتزجت طبيعتاه الإلهية والبشرية امتزاجا لا انفصال له. وهكذا بعد أن قضى سحابة حياته على الأرض فى طاعة تامة لناموس البر الأبدي الذى وضعه هو، بذل نفسه عن خطايا الناس ذبيحة كاملة تامة وافية بلا تلاعيب، "لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جعل الكثيرين خطاة هكذا أيضا بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرين أبرارا. [رومية 5: 19.] 035
Page 26