ومن هنا كان فتح نوافذ قليلة يطل منها العقل البشرى على آفاق من العلم محدودا بما تهىء المشيئة العليا من أسباب عادية أو غير عادية.
ومصادر المعرفة المعتادة مبثوثة فى كتاب الكون المفتوح، وفى تجارب الناس مع الحياة العامة، ويمكن بالوعى والتأمل والتجربة أن نبلغ آمادا بعيدة فى هذا المضمار دون حرج ودون قيد.
أما المعارف الغيبية التى مصدرها الوحى الأعلى، فإن الله قد اصطفى لها رسله الأولين وقد انتهى هذا المصدر بالرسالة الخاتمة ولن يحيط أحد بشىء من هذا العلم عن طريق الاتصال بالله أو بملائكته، ومن زعم ذلك فهو كاذب.
وقريب من ذلك الإنباء بالغيوب، فإن هذا ليس من العلوم الميسرة للخلق حتى تتاح فرصها للبشر على سواء: ولا مكان لوحى ينزل به بعد انقضاء النبوات.
ومن ثم فلا يقبل من أحد القول بأنه داخل ضمن الإمكان العام فى قوله تعالى (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء).
فإن هذه المشيئة مبينة بما أوضحناه لك آنفا.
8_ (وسع كرسيه السماوات والأرض) المتبادر إلى الأذهان أن السماوات والأرض هما حدود الملك الإلهى، وهذا خطأ ، فإنهما بعض آثار القدرة العليا فحسب، ولذلك قال فى آية أخرى:
(ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة )
وقال : (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) هما من آيات الله وآيات الله الشاهدة بجلاله لا يحاط بها، وكرسيه من الرحابة بحيث يسع السماوات والأرض وسائر ما لا نحصى من آيات.
ونحن لا ندرى ما الكرسى؟ ولا نكلف باكتناه ذلك.
وكل ما ندركه من هذه الجملة هو ما توحى به من الإشراف الإلهى العالى على سائر الخلق، ما نرى منه وما لا نرى، وأن السموات والأرض ما يستغرقان إلا جزءا من الملكوت الواسع الذى اشتمل عليه هذا الكرسى (والله من ورائهم محيط)
Page 22