L'Islam comme partenaire
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Genres
وبهذا لم يفكر الغزالي في قصر هذه المرتبة - أو العلاقة مع الله - على الأنبياء وحدهم. أضف إلى هذا أنه وجد في «المناسبة الباطنة» تفسيرا للحديث المنسوب للرسول
صلى الله عليه وسلم
أو للقول المأثور بأن الله خلق آدم على صورته، أي على صورته الباطنة لا صورته الظاهرة، مما يدل - فيما يدل عليه - على قرب الإنسان من مولاه وبارئه في الصفات التي فرض عليه تقليدها، وفي قبول الفضائل الخلقية التي يوصف بها جل شأنه. والصوفية وحدهم هم الذين يمكنهم أن يجدوا ويسموا عناصر أخرى في هذه العلاقة (إحياء علوم الدين، الموضع السابق). ومن الواضح أن تصور الغزالي للإنسان كان أسبق بكثير من أغلب فقهاء عصره من أهل السنة، وإن كان يرجع إليه الفضل في تمهيد الطريق لهم. ولو قفزنا فوق عصر الغزالي والبيضاوي ووصلنا إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، لاكتشفنا أن تصور الإنسان باعتباره النائب عن الله في أرضه قد حاز الاعتراف العام به. طبيعي أن الفهم القديم لكلمة «خليفة» كما وردت في القرآن الكريم بمعنى «اللاحق للجماعات أو الأجيال السابقة» قد ظل قائما؛ إذ لا يستطيع أي مفسر للقرآن الكريم أن يتجاهل الطبري ... ولكن المدهش حقا - في تقديري على الأقل - أن هذا الفهم القديم قد أزيح جانبا، وأن التفسير الجديد هو الذي أصبح يستخدم كأساس تبنى عليه المناقشات والنتائج.
ويصدق هذا على المصري العظيم الشيخ محمد عبده (1849-1905م)، الذي سجل تلميذه محمد رشيد رضا محاضراته التي ألقاها في الأزهر الشريف عن القرآن الكريم من سنة 1899م حتى وفاته في «تفسير المنار». فهو في شرحه للآية الكريمة رقم 30 من سورة البقرة يلفت الأنظار إلى المعنيين السابقين لكلمة «خليفة» دون تفضيل واضح لأحدهما على الآخر،
9
ولكن من الجلي أنه يضفي على التفسير الأحدث قيمة أكبر. والواقع أن النظر على هذا النحو إلى منزلة الإنسان أمر يتسق مع التصور الديني لمحمد عبده بوجه عام.
10
لقد زود الله سبحانه عند بدء الخلق جميع الكائنات الحية، سواء كانت فيزيقية أو ميتافيزيقية (أي ملائكة) باستعدادات محدودة، ومعرفة محدودة، ووظائف محدودة، وذلك باستثناء الإنسان وحده. والحق أن الله تعالى قد خلق الإنسان كذلك ضعيفا وجاهلا. ولكنه عندما ينمو فإن إحساسه وشعوره ينموان معه أيضا، كما أنه قد وهب ملكة العقل التي تمكنه من استغلال الملكتين السابقتين لمد سلطانه على سائر الكائنات. وقد شاء الله أن تكون قدرة الإنسان على التصرف بلا حدود، والأحكام والشرائع التي سنها الله للبشر إنما تهدف لتقييد أعمالهم وأخلاقهم بحيث لا يسيء بعضهم إلى بعض، وبحيث يساعدهم على بلوغ الكمال بهداية عقولهم وتنميتها.
11
وفي هذا السياق تعطي أهمية خاصة لما جاء في الآية الكريمة (31) من سورة البقرة من أن الله قد علم آدم الأسماء كلها
Page inconnue