L'Islam comme partenaire
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Genres
وربما بدا طبيعيا - بسبب استخدام الكلمة بهذا المعنى - أن يضفي على كلمة «خليفة» المعنى نفسه الذي وردت به في بعض نصوص القرآن الكريم. ومن ناحية أخرى نلاحظ أن الوعي الشديد بالمسافة الشاسعة التي تفصل الإنسان عن الله، قد جعل أغلب العلماء ينفرون من أن يعطوا للإنسان مثل هذه المنزلة الرفيعة (أي منزلة النائب عن الله)؛ ولذلك أصروا على فهم كلمة «خليفة» كما جاءت في القرآن الكريم بمعنى «التالي أو اللاحق للسابقين».
ربما يجدر بنا الآن أن نتتبع تطور معاني الكلمة بشيء من التفصيل. وسوف أمثل لذلك - على سبيل المصادفة - بتفسير كلاسيكي متأخر هو تفسير البيضاوي، الذي يرجع إلى القرنين السابع الهجري والثالث عشر الميلادي، أي إلى أربعمائة سنة بعد الطبري. ونحن نجد منذ البداية أن البيضاوي يفسر كلمة «خليفة» على المعنيين معا، أي اللاحق والنائب، حين يقول بوضوح: «من يخلف غيره وينوب منابه.» وهو يقدم عدة احتمالات لتفسير المعاني الممكنة للكلمة كما ذكرت في مواضع مختلفة من القرآن الكريم من دون أن يفضل - فيما يبدو - أحدها على الآخر: (1)
اللاحق للجماعات والأجيال السابقة. (2)
من يخلف الحكام السابقين. (3)
خليفة الله في أرضه (أي نائبه)، وإن كان يضيق المعنى بحيث يدل على الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - الذين يتوسطون بين الله والناس، بحيث يصبح آدم هو أول الأنبياء، لا أول البشر فحسب. (4)
خلائف الأرض (كما جاء في سورة الأنعام: 165:
وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ... (الآية)) ويمكن أن ينصرف معناها إلى «خلفاء الله في أرضه يتصرفون فيها».
7
وهكذا يجوز لنا الآن أن ننظر فيما إذا كان من الممكن اعتبار البشر نوابا لله على الأرض، حتى ولو لاحظنا استمرار النفور من نسبة هذه المرتبة إلى البشر عامة وقصرها على الأنبياء عليهم السلام. والاتجاه الذي سار فيه تطور معاني الكلمة تؤيده حقيقة أن حجة الإسلام الغزالي - الذي سبق البيضاوي بقرنين من الزمان - قد ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه الأخير عندما تصور وجود «مناسبة باطنة» بين الإنسان والله، وهي مناسبة لم تقتصر على جعل الإنسان يحب الله، بل جعلت وضع الإنسان كنائب عن الله في أرضه أمرا معقولا وقابلا للتصديق،
8
Page inconnue