الكَوّا، فقالا: أخبرنا عن مسيرك هذا؛ أوصية أوصاك به رسول الله ﷺ، أم رأيٌ رأيته؟ فقال: أما والله لئن كُنت أول من صَدّق رسول الله ﷺ فلا أكون أَوّل من كَذبَ عليه، والله لأن يَكُون عَهدٌ من رسول الله ﷺ إليَّ فلا، ولكن ما مات رسول الله فجأةً، ولا قُتل قتلًا، ولقد مَكث في مرضه أيامًا وليالي؛ كُلّ ذلك يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة فيقول: "مروا أبا بكر فَليصَلِّ بالناس"، ولقد تركني وهو يرى مكاني، وما كنت غائبًا، ولو عهد إليَّ شيئًا لقمت به، حتى إنَّ امرأةً من نسائه عارضت في ذلك؛ فقالت: إنَّ أبا بكر رجلٌ رقيق إذا قام مقامك لم يُسْمِع الناس، فلو أمرت عمر فَلُيصلِّ بالناس؟ فقال ﷺ: "إنكن صواحب يوسف".
فلما قُبض رسول الله ﷺ نظرنا فإذا رسول الله قد وَلاهُ أمر ديْننا، فَولينَاهُ أمر دنيانا، فبايعته في المسلمين ووفيت بيعته، ثم بايعت عمر ﵁ ووفيت بيعته، ثم بايعت عثمان ﵁ ووفيت بيعته، فعدا الناس عليه فقتلوه وأنا مُعْتزلٌ عنهم، ثم وَلّوني، ولولا الخشية على الدِّين ما أجبتهم، ثم وثب فيها من ليس سابقته كسابقتي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي. يعني: معاوية ﵁.
قالوا: صدقت، فأخبرنا عن قتالك لهذين صاحباك في بدر وحُديبية وأُحُد، وأخواك في الدِّين والسابقة والهجرة. يعني: طلحة والزبير ﵄.
فقال: إنهما بايعاني بالمدينة، وخلعاني بالبصرة، ولو أنَّ رجُلًا ممن بايع أبا بكر ﵁ خلعه لقاتلناه، ولو أنَّ رجُلًا ممن بايع عمر ﵁ خلعه لقاتلناه.
ثم دعاهم ثلاثة أيام، حتى إذا كان اليوم الثالث، دخل عليه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ﵃، فقالوا: قد أكثروا فينا الجراح. وذلك أنَّ قتلة عثمان ﵁ كانوا متفرقين في العسكرَيْن، فخشوا أن يصطلحوا على قتلهم، فأنشبوا الحرب، فتسابَّ صبيان العسكرين، ثم تراموا، ثم تبعهم العبيد، ثم السفهاء، فصلى عليٌّ ﵁ ركعتين، ودعا ربه، ثم قال: إن ظهرتم على القوم فلا تطلبوا مُدبرًا، ولا تَجَهَزُوا على جريح، وانظروا ما حضرت به الحرب من
1 / 48