ولعل النظائر كالأضداد في القدرة على توضيح التميز والتفوق والفوارق بين الأشياء، ولذا نلاحظ مثلا، أن منهج كتاب (الانتصار) منهج رائد وفذ، في سبقه واستخدامه، سواء في شكله من حيث تنوعه، وتعدد أسسه وبنائه، أو في محتواه من حيث اتساعه ودقته وانسجامه وشموليته وغناه، ويزداد الإعجاب بهذا المنهج، إذا أخذنا في الاعتبار الظروف والنظائر في أمثلة:
1- أن تأليفه تم في الربع الثاني من القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي). وهو وقت مبكر بالنسبة لعلاقته بأصول وأسس منهج البحث في الفكر الإسلامي؛ إذ ظل المنهج التقليدي مسيطرا على التأليف والبحث حتى بداية القرن الحالي بصفة عامة، وفي شبه الجزيرة العربية بصفة خاصة، حتى منتصفه تقريبا.
2- أن مؤلفه بدأ في تأليفه، في ما يمكن تقديره ببداية العشرين عاما الأخيرة من عمره، هذا من ناحية، ومن أخرى، أنه توقف عن الاستمرار في تأليفه عند شطر من الجزء الثاني منه(¬1) فترة امتدت على التوالي، اثنتي عشرة سنة، ثم عاد ليستأنفه من مكان توقفه منوها بذلك ومعتذرا عما قد يظهر من تكرار بسبب الانقطاع؛ ومن ناحية ثالثة، فقد أكمله بخطه كما يظهر من بعض الأجزاء في سنوات عمره الأخيرة. وكان انتهاؤه من الجزء الأخير (الثامن عشر) في أواخر عام (748)، أي قبل وفاته بأشهر معدودة(¬2) وقد بلغ الثمانين من العمر. ومن ناحية رابعة.. فقد أكمله، لا في حالة دعة من العيش ورخاء من الحياة، بل وهو في حالة من المعاناة وقسوة الحياة والظروف، حيث كان مرابطا في أحد الحصون(¬3) مواصلا جهاده ودعوته إلى الله، ومثابرته على نشر العلم والعدل والسلام.
Page 72