يلاحظ من تحديده في بداية الكتاب لأسس منهجه، في تصنيف الموضوعات وتبويبها.. أن الأسس التي حددها هي الرئيسية، ولذا حرص على ذكرها وتسميتها، وضرب صفحا عن ذكر الأسس الأخرى التي تعتورها، بوصفها أسسا فرعية أو متفرعة عن الأولى التي هي الرئيسية وجملتها أربعة: الكتب والأبواب، والفصول والمسائل.
وبحسب ما حدده وطبقه المؤلف.. فإنها تبدأ في هذا الترتيب، بالأعم فالأخص، بداية بالكتب وانتهاء بالمسائل. وكما يعني هذا الترتيب التدرج من الأعم إلى الأخص.. فإنه يعني أيضا أن الأسس الفرعية الأخرى التي لم يذكرها ولكنه استخدمها في التبويب، ستظل فروعا للأسس العامة الأربعة، وضمن تقسيماتها التفصيلية في مختلف الموضوعات، إما بشكل مباشر عن أي من الأسس العامة، أو متدرجة عن مجموعها، وهذا هو الذي يفهم من تصدير المؤلف.
وقد ظل كذلك في الأسس الثلاثة الأولى، وهي: الكتاب والباب والفصل، في الغالب السائد. وأما الرابع وهو المسألة، فلم تظل أساسا في معظم الكتاب، وخاصة من الجزء الثاني منه؛ إذ أصبحت (القاعدة) و(الفرع) بصفة خاصة إطارين كلاهما أوسع وأشمل وأعم من المسألة، وأصبح (التفريع على هذه القاعدة الفرع الأول)، يلي الكتاب والباب والفصل مباشرة، ثم تأتي المسائل ضمن الفروع بينما ظهرت المسألة في أماكن أخرى كالجزء الأول مثلا، أعم من الفرع، فيبدأ بالمسألة ثم يصنفها في فروع مسلسلة.
الثاني: اتساع أطر منهجه.
من يقرأ كتاب الانتصار من المهتمين بأسس المنهج الحديث في البحث.. يقف مأخوذا باتساع منهج المؤلف فيه، وبخصوبته وغناه وتنوع وتعدد جوانبه. وبقدرة المؤلف على بناء منهجه في متانة ومرونة، بناء فنيا وعلميا محكما ودقيقا وقائما على قواعد منطقية وموضوعية، فلا يكاد واحد من موضوعاته يبدأ حتى يتسع ويتسلسل في أطر وعناوين تتفرع وتنمو وتتعدد في اتساق وانسجام، ينساب موضوعه في مجراهما انسيابا سهلا وثريا ومتناميا بتنامي القضايا والمسائل من داخلها، تناميا يتناسب مع أصل واتساع الموضوع العام، ومع العلاقات الطبيعية القائمة بين المضامين وأطرها ومسمياتها، حتى لا تكاد تحس نوعا من التكلف في تصنيفها أو الإقحام لشيء منها على غيره أو بعيدا عن موضعه، ولا فراغا بين أي منها أو إهمالها لدقيقة قد تشذ عنها، أو أي شيء آخر من سهو أو تكرار أو انحراف عن جادة المنهج وأسسه العامة والمتفرعة عنها.
Page 71