3- أن من تلاه زمنا، أو اقتفاه أثرا في منهجه من المؤلفين في مجاله وبلده، لم يبلغوا في اقتفائهم إياه ما بلغ من سبقه وتفرده بهذا المنهج المتميز(¬1).
الثالث: نماذج من منهجه.
في آخر هذا الملمح عن منهج الكتاب، قد يكون مفيدا حصر نماذج أطره التي استخدمها المؤلف في رؤوس موضوعاته، وأصناف تفريعاته، وهي بحسب ترتيبها في طريقة استخدامه إياها.. أساليب تتنوع نماذجها من حيث اتساعها في ما يمكن أن نلخصه في تقسيمات أربعة هي:
الأول: التقسيم العام، وهو الذي حدده في بداية الكتاب، ويبدأ (بكتاب ...)، ثم يقسمه إلى أبواب، والأبواب إلى فصول، والفصول إلى مسائل، وهذا ما يمكن أن نسميه بالتركيب الجذري، أو التقسيم المبدئي للكتاب (الذي هو جزء من كتاب الانتصار).
ثم يتوصل إلى النتائج ومناقشتها وتحديد المذاهب فيها، بالتفريع على المسألة، وهو تقسيمها إلى فروع يذكر في كل فرع جانبا من المسألة، يبدأ غالبا بالجانب الأكبر، ثم تتدرج جوانبها في الاتساع بتعدد وتتالي الفروع، تدرجا من الأعلى والأقرب والأكبر إلى الأدنى والأبعد والأصغر، فيورد في الفرع، فرع المسألة، ويقسمها إن لزم تقسيمها، إلى حالات أو أقسام أو أضراب أو أحكام أو أركان أو تقارير أو أصناف أو أنواع، بحسب التقسيم الذي تقتضيه أجزاء وجزئيات المسألة في أي من فروعها.
ثم يذكر أهم أوجه الخلاف حولها في آراء أو أقوال أو مذاهب، وقد يقسم أصحاب الخلافات إلى فرقاء أو طوائف أو فئات أو اجتهادات، موضحا ومعللا كل رأي أو قول بما يتطلبه من موضوعية ودقة وشمولية، مع إيراد حججه وأدلته وأوجه الاستدلال بها، ولا يغفل ما قد يترتب على المسألة من أسس أو شروط، ثم يصل إلى تقرير المختار من هذه الأقوال والمذاهب الذي يراه ويختاره مذهبا له، فالانتصار الذي يبرر به اختياره لهذا الرأي أو ذلك القول أو المذهب، مظهرا جوانب التفوق والقوة والصحة فيه مقابل ما يراه من أوجه الضعف في الآراء المخالفة الأخرى، ثم لا يتجاوز المسألة حتى يستطرد إلى ما قد يراه مترتبا عليها، أو مشارا إليه فيها أو مرتبطا بها من (قاعدة) أو (دقيقة) أو (فائدة) أو (تنبيه) أو نحو هذا.
Page 73