والآن، تعال معي نهجر عالم الذرة والحروب الهيدروجينية، ونغوص في أعماق الماضي إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة، لنعيش في ظل حرب طروادة المشهورة (وكأن الإنسانية ما زالت - بعد واحد وثلاثين قرنا من نشوب تلك الحرب القديمة
1 - ما زالت حيث كانت منذ الأزل، لا تؤمن إلا بشريعة الهمجية ووحوش الغاب).
وهناك، على جانبي أسوار تلك المدينة الحصينة، سوف نلتقي بهؤلاء الأبطال الذين لست أشك في أنك تتوق منذ بعيد إلى التعرف عليهم، في موطنهم، وهم: «هيلينا» حسناء طروادة، والأمير الجميل «باريس» الذي اختطفها من زوجها ملك «أسبرطة»، و«أجاممنون» شقيق الملك وقائد جيشه، و«أخيل» أبرز أبطال هذا الجيش، و«هكتور» أشجع محاربي طروادة، والحصان الخشبي المشهور الذي أنهى الحصار الخالد لتلك المدينة الحصينة ... إلخ.
ملحمة الحب والحرب
ولكي تتذوق قصة «الإلياذة» الخالدة، كما أحب لك أن تتذوقها، ينبغي أن أمهد لك أولا الطريق الوعر إلى أغوار هذه الملحمة الإغريقية الشعرية التي تتغنى بها الإنسانية منذ أجيال، والتي ترنم بها اليونان كما ترنم اليهود بمزامير داود! وكادوا يقدسونها كما قدس هؤلاء «التوراة»، فلقنوها لصغارهم، وحفظها كبارهم عن ظهر قلب.
والواقع أن هذه «الأعجوبة» التي ترجع إلى ثلاثين قرنا، ما تزال تحتفظ بكل روعتها وجدتها، بل وخلودها الذي هو خلود الفن الصادق الأصيل، وهي تبهر الأذهان بمثل السناء والتألق اللذين بهرت بهما الأسماع لأول مرة يوم تغنى بها المنشدون في مآدب أمراء أثينا الأقدمين.
ولنقرأ وصف «أفلاطون» للأثر الذي كان يحدثه ترنيمها في المآدب والمحافل يومئذ: «كان المنشدون حين يتغنون بها يهتزون نشوة ، وتجيش نفسهم طربا، لمجرد سماعهم صدى موسيقى الأبيات التي يرددونها!»
تتداولها «الذاكرة» خمسة قرون!
وقد ظلت «الإلياذة» غير مكتوبة أو مسجلة إلا في «ذاكرة» أولئك المنشدين نحوا من خمسة قرون، أو على وجه التحديد منذ نظمها الشاعر الضرير «هوميروس» في القرن العاشر قبل الميلاد، حتى سجلتها البعثة التي ألفها «بيزيستراتوس»، في القرن الخامس قبل الميلاد، خصوصا لهذا الغرض، وقد تقصت أبياتها من مختلف حفاظها ومنشديها وحققتها تحقيقا دقيقا ثم سجلتها في صورتها الرسمية الراهنة التي يعرفها بها العالم الحديث، وأنشدتها على الملأ في احتفال وطني كبير.
حياة مؤلفها، أسطورة!
Page inconnue