إيضاحات لا بد منها
قبل أن نبدأ مطالعتنا معا لهذه الملحمة الخالدة، أحب أن أنبهك إلى عدة أمور قد تثير حيرتك إذا لم تعرفها سلفا: (1)
من هذه الأمور أنك ستصادف في «الإلياذة» أسلوبا يختلف عن الأسلوب الذي ألفته في سائر الأعمال الأدبية الأخرى، ستصادف أسلوبا فيه الكثير من التكرار، والتعبيرات الشاذة، والتفكير البدائي الساذج الذي يتناسب وعقلية عصر هوميروس، العقلية التي تخلط الحقائق بالخرافات، والواقع بالخيال، فتصور الآلهة في صورة البشر، وتزوج هؤلاء من أولئك، وأولئك من هؤلاء، وتنجب لأبطال الملحمة أطفالا بشريين، وآخرين سماويين! ومن أمثلة التعبيرات الغريبة التي ستقرؤها في الإلياذة، والتي تكاد تتكرر في كل صفحة من صفحاتها، هذه العبارة: «أخيل» السريع القدمين، «أبولو» الذي يضرب من بعيد، «الآخيون» (أي الإغريق) المدرعون جيدا، الربة «هيرا» البيضاء الذراعين، الآخيون ذوو الحلل البرونزية ... إلخ. (2)
ومن الإيضاحات التي أحب أن أنبهك إليها أن الترجمة الإنجليزية للإلياذة أطلقت على كل فصل من فصولها لفظ «كتاب»، فقالت: «الكتاب الأول»، «الكتاب الثاني» ... إلخ. أما الطبعة الفرنسية فقد أطلقت على كل فصل لفظ «أنشودة»، فقالت: «الأنشودة الأولى»، «الأنشودة الثانية» ... وهكذا.
وقد آثرت استعمال التعبير الفرنسي؛ لأن هوميروس حين نظم هذه الملحمة الشعرية منذ ثلاثة آلاف سنة لم ينشرها بالطبع على هيئة كتاب، وإنما راح يتغنى بها و«ينشدها» بمصاحبة القيثارة وهو يتجول في أنحاء اليونان؛ ومن ثم فتعبير «أنشودة» هو التعبير الأدق والأصدق في هذا المجال. (3)
وثمة فارق آخر بين الترجمات اليونانية والفرنسية والإنجليزية، هو أن الترجمة الفرنسية أغفلت أن تضع في بداية كل فصل ذلك التمهيد القصير الذي درجت الكتب القديمة على وضعه، والذي يلخص للقارئ أهم الأحداث التي سيقرأ عنها في الفصل التالي. أما الطبعة الإنجليزية فقد حرصت على هذا التقليد. وقد رأيت أن أضيف إلى الترجمة العربية هذه الديباجة التقليدية. (4)
ومن ناحية أخرى فقد حرصت الطبعة الفرنسية على تقسيم كل فصل إلى موضوعات، يبدأ كل موضوع منها بعنوان، بينما أغفلت الطبعات الأخرى هذه العناوين والتقسيمات. وقد آثرت أن أقتبس من الطبعة الفرنسية هذا التبويب وتلك العنوانات التي تيسر عليك مطالعة فصول الملحمة الطويلة. (5)
والملاحظة الأخيرة، أن الطبعات الثلاث جاءت كلها خلوا من أي رسم لأحداث الملحمة، أو صورة مأخوذة عن لوحة زيتية أو تمثال لإحدى شخصياتها، وأنا أومن بالارتباط و«التعايش» بين الفنون جميعها. أومن مثلا بأن الرسم الجميل أو صورة التمثال المنحوت تضفي على النثر أو الشعر الذي تتخلله جمالا فنيا جديدا، فوق جماله اللغوي أو جرسه الموسيقي؛ ومن ثم حرصت على تزيين هذه الطبعة بأفضل ما استطعت الحصول عليه - من كافة المصادر - من لوحات ورسوم، مستوحاة من حوادث الإلياذة.
تعال نعش مع هؤلاء الأبطال
تصور الإغريق آلهتهم في صورة بشر مثلهم، بعكس المصريين القدماء الذين اتخذوا لأنفسهم آلهة على صورة الحيوانات!
Page inconnue