رسم يمثل حصان طروادة المشهور، الذي يعتبر أعظم خدعة في تاريخ الحروب، وأقدم أمثلة «الطابور الخامس»، كما سترى.
الربة أثينا في كامل هيبتها وعدتها.
وإلى ما قبل القرن الثامن عشر كان المجمع عليه أن ناظم «الإلياذة» منشد ضرير من شعراء الإغريق يدعى هوميروس، عاش في فترة اختلف المؤرخون في تحديدها فتأرجحت رواياتهم بصدد ذلك بين عام 1200 وعام 850 قبل الميلاد، وكما اختلفوا بشأن تحديد العصر الذي عاش فيه هوميروس اختلفوا بشأن تحديد موطنه ومسقط رأسه، فقال البعض إنه مدينة من مدن آسيا الصغرى، وقال آخرون إنه جزيرة من جزر بحر إيجه! وقد بلغ من تنافس مختلف المدن والجزر على الاستئثار بفخر إنجاب «هوميروس» أن سبعا منها تنازعت فيما بينها هذا الشرف! وما يزال اللغز قائما بغير حل إلى اليوم.
ولكن في ختام القرن الثامن عشر نادى بعض الباحثين بنظرية جديدة مؤداها أن هوميروس ليس سوى «أسطورة لم يكن لها في الحقيقة وجود! ... أو - إن كان لها وجود - لم تكن لها غير أهمية ضئيلة تافهة، وينسب أصحاب هذه النظرية ملحمة الإلياذة، لا إلى هوميروس، وإنما إلى مجموعة من الشعراء المجهولين الذين كانوا ينظمون القصائد الحماسية للعامة أثناء حصار اليونانيين لمدينة «طروادة» خلال الحرب القديمة المشهورة بهذا الاسم.
على أن أكثر الباحثين المحدثين ينبذون هذه النظرية، جازمين بأن الإلياذة من خلق ذهن واحد، استنادا إلى الوحدة الملحوظة في بنائها الفني، وطابعها، وسياقها!
والخلاصة، أنه برغم أن اسم «هوميروس» بات من أشهر الأسماء في تاريخ الآداب العالمية قاطبة، فإن العالم لا يكاد يعرف عنه حتى اليوم سوى النزر اليسير، بل لا يكاد يقطع بما إذا كان رجلا واحدا أم مجموعة من الرجال! كل ما نخرج به من الروايات التقليدية المتداولة عنه - والتي تفتقر إلى دليل أكيد - أنه كان شاعرا ضريرا، فقيرا، مسنا، يجول من بلد إلى بلد منشدا أشعاره كلما وجد مستمعا يدفع الثمن!
أبطالها خليط من الآلهة والبشر!
ومهما يكن من شيء، فالمتفق عليه أن «الإلياذة» كانت، وما تزال - وستظل أبد الدهر - صرحا ضخما من صروح الأدب الإنساني، ومرجعا فريدا من مراجع المعرفة، وأساسا راسخا من أسس الأخلاق، وديوانا خالدا من دواوين الحماسة والبطولة، كان له على التربية، والأدب، والثقافة - الإغريقية والعالمية - أبلغ الآثار وأعظمها على مر الأجيال.
و«الإلياذة» مدينة بخلودها إلى قوة موضوعها، و«حرارة» أبياتها، وسلاسة أسلوبها البسيط الوقور الرائع! وأخيرا إلى تصويرها الناطق الحي لنفسيات الإغريق - رجالا ونساء - في ذلك العصر من عصورهم الحافل بصور بطولتهم النادرة في الحرب، وفي الحب!
وتتألف «الإلياذة» من خمسة عشر ألفا وخمسمائة من أبيات الشعر، وهي تصور حوادث واحد وخمسين يوما من أيام السنة العاشرة والأخيرة من حصار الإغريق لطروادة؛ ومن ثم فأنت لكي تقرأها وتستمتع بها على الوجه الأكمل، لا بد أن تعرف أولا قصة حرب طروادة، والغرام العارم الذي كان السبب المباشر لاشتعالها، والأبطال الذين اكتووا بنارها، سواء من بشر، أو الآلهة!
Page inconnue