وفى سبتة هيأ الله للقاضى أسباب التحصيل، إذ كانت سبتة آنذاك مرفأ القاصدين إلى المشرق من المغرب، والقاصدين إلى المغرب من المشرق.
وأول من أخذ عنه فيها الحافظ أبو على الغسَّانى، وأبو إسحاق اللواتى (١).
علمه وعمله:
من يطالع مؤلفات القاضى يدرك بيسر أنه كان إليه المنتهى فى ضبط الكتاب، والغيرة على العلم، سهل الانتصاف له ولو من نفسه، تستطيع أن ترى هذا فى مثل قوله فى كتاب: " الإكمال " حين يعرض للحديث " من رواية القاسم بن زكريا، حدثنا حسين، ثنا زائدة " فيقول: " كذا هو فى أكثر النسخ والأصول، ووقع فى بعضها حصين، وكذا وجدته مصلحًا فى كتابى بخطى حصين - بالصاد المهملة - ولست أدرى من أين كتبته، وهو خطأ، والصواب حسين بالسين " (٢) أهـ. لقد كان بوسعه أن يكتفى بالتنبيه على وقوع الخطأ فى بعض النسخ، وبخاصة أنه ضبط الاسم بعد ذلك بما يدفع الخلل بعد ذلك عنه، فقال: وهو حسين بن على مولى الجعفيين (٣)، لكن عظمة نفسه فى الحق أبت عليه أن يحجبها عن اللوم، لتحمل نصيبها من المؤاخذة فى تطرق الخلل غير المغتفر عنده لأصول كتابه، وبهذا الخلق يسَّر الله له أمر قياده لنفسه، فلم يكن ير بأسًا من المجاهرة بأنه رَاجَع فى بعض المسائل من هو أعلم منه - على علو كعبه وعظمة شأنه فيه وارتفاع ذكره به، وبخاصة كتاب الإكمال هذا، الذى يغلب على الظن عندى أنه آخر ما ألف (٤)، ومع ذلك نراه يراجع فى بعض ألفاظ الكتاب السابقين عليه من الأئمة والشيوخ، ويعلن هذا للطلبة، وهو يعلم أنه مما يسجل فى القراطيس. وذلك أنه وهو يعرض لحديث شق صدره ﷺ يقول: فى هذا الحديث من رواية عبد الله بن هاشم المختصرة عن ثابت عن أنس قال: قال النبى ﷺ " انطلقوا بى إلى زمزم، فشرح عن صدرى، ثم غسل بماء زمزم ثم أنزلت " قال: " كذا رويناه عن جميعهم بضم الهمزة وكسر الزاى، وضم التاء، وحكى لنا بعض شيوخنا عن القاضى أبى الوليد الوقشى - وكان أكثر اعتنائه بأمثال هذه الألفاظ المشكلة والجسارة على تقويمها بزعمه وإصلاحها - أن اللفظة وهمٌ من الرواة وتصحيف وصوابها " ثم تركت "، فعرضت هذا على شيخنا أبى الحسين بن سراج الحافظ اللغوى فقال لى: هذا تكلفٌ، وأنزلت بمعنى تركت فى كلام العرب معروف، فاتفقا فى المعنى واختلفا فى صحة اللفظ
_________
(١) سيرد فى أخبار شيوخه التعريف المناسب لهما. سير ٢٠/ ٢١٣.
(٢) و(٣) إكمال ١/ ١٩ أ.
(٤) وذلك أن ممن ترجم له من لم يذكر له هذا الكتاب، كالفقيه محمد بن حمَّاده السبتى. راجع: السير ٢٠/ ١١٤.
1 / 21