L'Administration islamique au zénith des Arabes

Kurd Ali d. 1372 AH
110

L'Administration islamique au zénith des Arabes

الإدارة الإسلامية في عز العرب

Genres

أي إن القطر الواحد بل المصر الواحد يحكم برأي عامله وجماعة ممن يختارهم لمشورته ومعاونته، فينظر في الأمور بحسب فهمه وما يوحيه إليه المحيط والعادة والعرف، ويطبق الأحكام الشرعية على الكبير والصغير والملي والذمي، وينصب العامل الأكبر في الولاية العمال من ذوي الرأي والتدبير والخبرة بالعلم والعلم بالسياسة، ويشاور الفقهاء وأرباب التجارب، وينفق من المال ما تصلح به الولاية وما يوسع به على القراء والفقراء وذوي الحاجات، وما تقتضيه من عطاء الجند وتقوية الثغور وشحن المصالح، ثم يبعث الباقي من الأموال إلى الخليفة. وللخليفة الخطبة والسكة، فإذا كان العامل يحسن عمله، ويعرف مدى التبعة الملقاة عليه، يستسيغ الخراج إن كان ذا قوة أو آنس من جانب الحضرة ضعفا، ولا يرجع في العادة إلى استشارة العاصمة إلا في عويص المسائل التي يمكن تأجيلها، وتكون من حقوق الخليفة داخلة في أمهات المسائل الكبرى في الدولة. وقد يجتهد ويرتكب غلطا فتصرفه العاصمة إن أحست به أو توجعه في العقوبة، كما فعل المنصور لما بلغه ضرب عامله على المدينة عالمها مالك بن أنس فشق ذلك على الخليفة وأهان عامله وصرفه. ولكن كانت كتف مالك قد زالت عن مكانها بالضرب المبرح. فالعامل في الحقيقة هو الملك الفعلي، ولا يسع العاصمة إلا أن تقره على ما يقرر ويدبر في أكثر الحالات. وقد ظهرت مضار هذه الطريقة عندما كانت العاصمة تعجز عن ضبط كل شيء من أمور الولايات لضعف الخلافة ووناء القائم على سدتها. وإذا كان هناك قضاة وولاة وناظرون ومفتشون وكتاب وحساب فإن التنفيذ يختلف قوة وضعفا بحسب كفاية العامل وسلطان الخليفة والوزير.

جاء المتوكل وضغط أمراء الترك وقوادهم يزيد شدة على الخلفاء فخلع على عبيد الله بن يحيى، وأمر أن لا يعرض أحد من أصحاب الدواوين على الخليفة شيئا، وأن يدفعوا أعمالهم إلى وزيره ليعرضها، وأجرى له في كل شهر عشرة آلاف درهم؛ لما كان في نفسه من الأتراك واستبدادهم بالأمر. فكان عهده جذب ودفع بين أصحاب الخلافة ومن رفعهم المعتصم على رقاب الناس من الترك، وعلق المتوكل يداوي الأمراض البادية في جسم الدولة بإنفاق المال الذي جمعه المأمون والمعتصم والواثق على نحو ما فعل الأمين؛ ففرق ما جمعه السفاح والمنصور والمهدي والرشيد من الأموال. فقال الناس: إن أيام المتوكل كانت في حسنها ونضارتها ورفاهية العيش بها ورخص أسعارها وحمد الخاص والعام لها، ورضاهم عنها أيام سراء لا ضراء. نعم، كان هذا الخليفة منفاقا لا يحسن تدبير خرجه، وله مع هذا عناية خاصة بديوان زمام النفقات. أنفق ما أنفق مما ادخره أجداده في بيوت أمواله، فكان هذا منه تدبيرا مؤقتا غير ناجح، وما استطاع أن يداوي ما تجلى من تسلط الأتراك على الدولة في عامة أقطارها وأعمالها.

رأى المتوكل شدة ضغط الترك على الخلافة في دار السلام فأحب الانتقال إلى دمشق؛ ليجعلها دار ملكه، ونقل دواوين الدولة إليها. ولما أمن غائلة من توجس منهم خيفة عاد إلى العراق، وادعى أنه استوبأ مدينة دمشق. وكانت له أفكار شاذة، منها: أنه كان يبغض علي بن أبي طالب وأهل بيته فعفى قبر الحسين بن علي، وهدم ما حوله من المنازل، ومنع الناس من إتيانه. ولا تأويل إلى هذا العبث إلا خوفه الشيعة، وأن يتخذوا من زيارة الحسين وسيلة إلى دعاية سياسية تزعزع أركان الملك العباسي.

واشتد المتوكل على أهل الذمة، وأخذهم بلبس ألبسة تخالف لباس المسلمين على رءوسهم وأوساطهم، وأن يجعل على أبواب دورهم صور شياطين من خشب مسمورة؛ تفريقا بين منازلهم ومنازل المسلمين. ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأعمال السلطان التي تجري أحكامهم فيها على المسلمين. وأمر أن يقتصروا في مراكبهم على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين إلى غير ذلك، وأمر بإجلاء النصارى عن حمص؛ لأنهم كانوا يعينون الثوار من اليمانيين، والثورة لا تكاد تنطفئ كل حين من حمص حتى سميت الكوفة الصغرى؛ لكثرة قيام أهلها على العمال، كما خصت تونس بالتشغب والقيام على الأمراء والخلاف للولاة.

ومع كل ما بذل المتوكل قوي الأتراك عليه وقتلوه، قيل بالاتفاق مع ابنه الذي خلفه، وأخذ المتغلبة من الترك يستضعفون الخلفاء فأصبح «الخليفة في يدهم كالأسير؛ إن شاءوا أبقوه، وإن شاءوا خلعوه، وإن شاءوا قتلوه من غير ديانة ولا نظر للمسلمين.» وجاء المنتصر يقاوم العلويين كأبيه المتوكل ويكتب إلى عامل مصر (247) أن لا يقبل علويا ضيعة، ولا يركب فرسا، ولا يسافر من الفسطاط إلى طرف من أطرافها، وأن يمنعوا من اتخاذ العبيد إلا العبد الواحد، وإن كانت بين العلوي وبين أحد خصومة قبل قول خصمه فيه ولم يطالب ببينة. ذلك لأن العلويين ما ناموا ساعة عن المطالبة بالملك، فمثل هذا الأمر يضيق عليهم دائرة حركتهم، وإن كان في بعض ما يرمي إليه غير عادل.

إدارة المعتز والمهتدي والمعتمد

تولى المعتز الخلافة فأمر بإحضار جماعة ممن صفت أذهانهم، ورقت طباعهم، ولطف ظنهم، وصحت نحائزهم، وجادت غرائزهم، وكملت عقولهم بالمشورة. وحاول أن يتخلص من الأتراك، وكانوا تأصلوا في جسم الدولة وروحها، وكانوا كثروا وأي كثرة في العاصمة والولايات، وقدرت أرزاقهم وأرزاق المغاربة والشاكرية في سنة 252 فكان مبلغ ما يحتاجون إليه في السنة مائتي ألف ألف دينار، وذلك خراج المملكة لسنتين فإذا تأخر عطاؤهم فهناك المؤامرات والمشاغبات وخوف البدوات والنزوات والوثوب بالدولة.

ووسدت إمارة مصر لأحمد بن طولون (254) من الأتراك، واستبد بجمع أعمال مصر لما وسد إليه أمر الأموال، وكان الأمير في مصر من قبل ليس له إلا الجند والشرطة وللعامل النظر في الأموال، وكلاهما يراقب صاحبه، وهما متساويان في المكانة، وربما تقدم العامل على الأمير. والأقباط منذ كان الإسلام يتولون النظر في الأموال؛ فتنظر إليهم الأمة نظرها إلى الصل والثعبان، ويراهم صاحب الأمر مختلسين. وكان مما أعان ابن طولون على استقلاله بملك مصر ثم استيلائه على الشام وما إليها أن الخليفة أمره بإعداد جيش لقتال أحد الخوارج في الشام. وبعد استئصال الفتنة لم يفض الجيش فكان له قوة نافعة في استقلاله. وكانت جمهرة الجيش من المماليك والديالمة يشتريهم كما يشتري الرقيق، وبلغت عدتهم أربعة وعشرين ألف مملوك وأربعين ألفا من العبيد الزنج ومن العرب وغيرهم. أما ابنه خمارويه فقيل: إن عدة جيشه بلغت أربعمائة ألف فارس.

ولئن حسنت حال مصر على عهد ابن طولون، ودر خراجها واستفاض عمرانها - لحسن إدارته وسياسته حتى فضلوه على بعض الخلفاء على كثرة ما سفك من الدماء - فإن استيلاءه على الأمر فيها عد خروجا على الخلافة، وإن كان يخطب لها بادئ بدء. ولم يتأت الخلاص من دولته إلا لما قوي العباسيون سنة 292 فقتلوا آل بيتهم برمتهم، وخلفت الدولة الطولونية الدولة الإخشيدية

80

Page inconnue