وقد ختم الفيلسوف كلامه عن المعجزة بالتفرقة بين إقناع الخارقة وإقناع البرهان، وكرر هذا المعنى في رده على الإمام الغزالي؛ حيث يقول:
وليعرف أن طريق الخواص في تصديق الأنبياء طريق آخر قد نبه عليه أبو حامد في غير ما موضع، وهو الصادر عن الصفة التي بها سمي النبي نبيا، الذي هو الإعلام بالغيوب ووضع الشرائع الموافقة للحق والمفيدة من الأعمال ما فيه سعادة جميع الخلق ...
ما بعد الطبيعة
كتاب ما بعد الطبيعة أهم كتب أرسطو التي اختارها ابن رشد للشرح والتفسير، تدل إشاراته إلى الكتب السابقة على أن المعلم الأول قد درس موضوعه بعد نضجه وتكرار النظر فيه، فضلا عن اسم الكتاب الذي يفيد أنه مكتوب بعد الفراغ من كتاب الطبيعيات.
والترجمة التي شرحها ابن رشد وفسرها دقيقة في جوهرها تكاد أن تكون حرفية عند المقارنة بينها وبين التراجم المنقولة عن اليونانية، وأكثر ما يلاحظ عليها أنها لا تلتفت إلى الطرائف اللفظية التي هي أشبه بالحلية منها بصميم المعنى، ومثال ذلك في الفقرة التي ننقلها بعد أن أرسطو يقصد بالباب أن كل إنسان يستطيع أن يصل إليه، ولكن ليس كل إنسان قادرا على أن يصيب منه هدفا بعينه، وهذا هو نص العبارة باللغة الإنجليزية:
2
Since the truth seems to be like the proverbial door which no one can fail to hit, in this respect it must be easy, but the fact that we have a whole truthandnot the particular part we aim at shows the difficulty of it.
وتؤخذ على الترجمة أيضا عسلطة لا ضرورة لها، ومن أمثلتها في العبارة المتقدمة قول المترجم: «... إن كان أدرك شيئا منه فإنما أدرك يسيرا، فإذا جمع ما أدرك منه من جميع من أدرك ما أدرك منه كان للمجتمع من ذلك مقدار ذو قدر، فيجب أن يكون سهلا من هذه الجهة ...»
ومحصل ذلك أننا لو أخذنا من كل من أدرك يسيرا من الحق ما أدركه، اجتمع من ذلك قدر ليس باليسير.
ونحن مختارون فيما يلي أول عبارة من الكتاب فسرها ابن رشد للدلالة على طريقته في التفسير، وهي طريقة تجمع بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى، وتفسير الفكرة الفلسفية التي ينطوي عليها ذلك المعنى، ولكنه لم يسلم من بعض العيوب التي ألمعنا إليها.
Page inconnue