وسعى إليه عتريس الفتوة وقال له: إني في خدمتك إن أردت خدمة.
فكره منظره، وداراه بابتسامة ممتنة، وقال له: الشكر لك يا معلم، وليفعل الله بها ما يشاء.
وتبدت له الدنيا رمادية ضاربة للحمرة. وتساءل لماذا نحب هذه الحياة ونحرص عليها هذا الحرص كله؟ لماذا نذعن لمشيئتها الحادة القاسية؟ ألا يحق لها بعد ذلك أن تسلط علينا دود أرضها؟ اللعنة على عاشور الناجي الأسطورة الكاذبة! اللعنة على الدراويش المجانين الذين لا يكفون عن الغناء! وتساءل أيضا: يوجد خطأ جسيم ولكن أين هو؟
33
وذات مساء أرسل سليمان الناجي في طلبه. تذكر أنه لم يزره منذ أشهر فخجل. كان قد مر على شلله عشرة أعوام، وكان قد لزم الفراش منذ عام في رعاية مخلصة من فتحية. ذهب إليه، قبل يده، جلس إلى جانب فراشه وهو يعتذر عن إهماله بشواغله وهمومه.
وقال سليمان الناجي: نهايتي اقتربت يا بكر.
فدعا له بطول العمر والعافية، فقال الرجل: حلمت بجدك شمس الدين ثلاث مرات في ثلاث ليال متعاقبة. - هذا لا يعني شيئا ضارا يا أبي. - هذا يعني كل شيء، وقد قال لي إن الدنيا لا تساوي شيئا حتى يهبها الإنسان روحه. - رحمه الله يا أبي.
فقال بأسى: ما مضى قد مضى، ولكني أسألك من من أبنائك يصلح لها؟
فأدرك أنه يعني الفتونة، فدارى ابتسامة وقال: ما زالوا صغارا ولن يصلحوا لها. - ولا أحد من أبناء أخواتك لأبيك؟
فقال بعد تردد: لا أدري يا أبي. - لأنك لا تدري عنهم شيئا.
Page inconnue