وتأوه، ثم قال: إني أودع الدنيا مثل سجين. أستودعك الحي الذي لا يموت!
34
في جوف ذلك الليل فاضت روح سليمان شمس الدين عاشور الناجي. وبالرغم من عزلته الطويلة مشى في جنازته جميع أهل الحارة، حتى عتريس ورجاله، ودفن إلى جانب شمس الدين.
وثارت مكامن الأحزان في قلوب آل الناجي والحرافيش، وانسابت عليهم الذكريات مترعة بالأسى.
35
وطرأت حركة جديدة غير مألوفة، ندت عن تيار الأحداث الرتيبة والساعات التوائم مثل شهاب يمرق في سماء باهتة.
وتساءلت رضوانة في حيرة: «ماذا يفعل الرجل؟»
على غير عادة أخذها بكر من يدها وراح يتفقد جنبات داره الكبرى طابقا بعد طابق. إنه جاد أكثر مما تتصور، عظيم الاهتمام، كأنما يستعد لرحلة أو لمضاربة خطيرة: ماذا تفعل بالله؟
فلم يجب، لم يبتسم، مضى بها من حجرة إلى حجرة، من بهو إلى بهو، من قاعة إلى قاعة، طائفا بقطع الأثاث النادرة، بالتحف، بالطنافس والستائر والسجاد، بالقناديل، والشمعدانات والتحف، بمخدع نوم رضوان وصفية وسماحة.
وتمتمت بضيق: تعبت.
Page inconnue