Hallaj
الحسين بن منصور الحلاج: شهيد التصوف الإسلامي (٢٤٤–٣٠٩ﻫ)
Genres
وعجز كل هذا الدخان والضباب ، والتزوير والافتراء، عن أن يحجب عن عين التاريخ وذاكرته وصحفه البرق المتلألئ من أسطورة البطل الشهيد، والسنا المتألق من تراث العارف المحب.
يقول المستشرق نيكلسون:
1 «قتل الحلاج وأحرق رفاته كما تنبأ، وعبثت برماد جسده الرياح العاصفة، والمياه الجارية، ولكن بقيت آراؤه من بعده تعمل عملها، خلال العصور الوسطى جميعها، وتحاول أن تحيا حياة جديدة.
وإننا لنتبين قوة هذا الرجل، وحيويته الروحية، من الأثر العظيم الذي كان له في نفوس الأجيال التي أعقبته.»
لقد أعجز الحلاج الخلافة العباسية، حيا ومصلوبا وشهيدا، وأحدث أثرا خالدا في التاريخ، حتى التهم البغيضة الغليظة، التي قذفوا بها الحلاج يوم المحاكمة، أخذت تتساقط سطرا فسطرا، لتفسح الطريق لوجه الفجر الصادق، يمحو بنوره كل فجر كاذب، وكل ادعاء فاجر؛ لتفسح الطريق للحقيقة، الكامنة وراء المأساة الدامية، فلم تكن الخلافة العباسية لتصب كل هذا الهول الفاجر على الحلاج، لشطحه الصوفي، أو لمروقه الإلحادي، أو لقوله - أنا الحق! كما حاولت أن تكره الشهود، وأن تكره القضاء، وأن تكره التاريخ على هذا البهتان والتزوير، بل صبت هذا الهول الغليظ الفاجر، دفاعا عن نفسها، وعن وجودها، وعما تمثله ويمثله وجودها، من شهوات وفجور، وفساد واستغلال، ومحاربة للدين والإيمان.
كانت محاكمة سياسية، وكان قتلا سياسيا، لبس زورا ثوب الدين، وتقنع كذبا بقداسته وحمايته.
يقول المستشرق ماسنيون: «فلولا أن الحلاج قد زج بنفسه في التيارات السياسية المضطربة في عصره، واتصل بالسياسة ورجالها، لما حدث له ما حدث، من تعذيب وصلب، وما كانت الاتهامات الدينية إلا اتهامات رسمية؛ لتكون تكأة يستند إليها السلطان.»
ويقول العلامة آدم متز:
2 «وأغلب ما انتهى إلينا من أخبار الحلاج، إنما ذكره خصومه، ويؤخذ من هذه الأخبار بوضوح أن الحلاج قد أثر في كبراء أهل بغداد، تأثيرا قويا نادر المثال، ويدل على عظيم شأنه أن كلا من الذهبي وابن الجوزي كتب عنه كتابا خاصا.
ولكن يظهر أن هذين الكتابين قد فقدا مع الأسف، ولم ينل هذا الشرف - أعني تخصيص كتاب في حياة رجل - إلا العدد القليل بين رجال الإسلام.»
Page inconnue