3
وهي نصرانية تقول بالتثليث، ودولة الفرس، وهي مجوسية تقول بالتثنية.
فأما الروم فقد كانوا منقسمين على أنفسهم بسبب اختلافهم في الأقاويل الدينية وفي العقائد المذهبية، فكانت بين رجالاتهم وبيوتاتهم خطوب وأهوال أنستهم تدابير الملك وسياسة البلاد؛ حتى فسدت الأحوال، واختلت الأعمال، واضطربت شئون الولايات، وعمت الفوضى جميع أطراف الإمبراطورية.
هذا المرض الطبيعي الذي أصاب دولة الروم عند أول بداية الإسلام في عهد محمد عليه الصلاة والسلام؛ تجددت أعراضه بعينها فيما بينهم أيضا حينما أشرف محمد الثاني على فتح القسطنطينية، فكان انقسام الروم على أنفسهم واختلافهم في شئون بسيطة سببا في ظهور الإسلام وانتزاع تسعة أعشار أملاكهم منهم، كما كان سببا لاستيلائه على دار مملكتهم ومحو أثرهم.
ومما تجب الإشارة إليه في هذا المقام أنه قد حدثت أمور سياسية دعت قياصرة الروم للمساعدة على مزج المسيحية بالوثنية، فتيسر لهم بهذه الوسيلة تعميم هذه العقيدة الجديدة على جميع الأهالي الوثنيين الخاضعين لصولجانهم؛ فنتج عن ذلك اختلاف كبير في المشيئة والطبيعة والناسوت واللاهوت، أوجب زيادة الارتباك بين رجال الكهنوت.
هذا فضلا عن اشتداد النزاع والخصام بين أساقفة القسطنطينية والإسكندرية ورومية؛ إذ كان كل منهم يريد لنفسه الزعامة على الملة النصرانية، فالأول يؤيد دعواه بأن مدينته هي كرسي الملك، فلا بد أن تكون مقرا للدين؛ لأن الملك هو الحارس للدين. وأما أسقف الإسكندرية فكان يقول إن السيادة الدينية لا تصح لغيره؛ نظرا لموقع مدينته التجاري ومركزها العلمي، وإن الدين إنما يستند على المال ولا قوام له بغير العرفان. بقي صاحب رومية وقد طبق الآفاق بقوله إن رومية هي المدينة الخالدة ذات المآثر الباقية، وقد كانت لها السيادة الدائمة من حيث الديانة والسياسة، فصاحب الكرسي فيها هو الأحق بالرياسة.
فكان هذا التخاصم مثيرا لثورة دينية اضطربت لها الدنيا بأسرها، ولا تزال آثارها باقية بين المسيحيين إلى الآن.
وقد ترتب على هذه الثورة نتيجتان: (1)
تداخل الفرس وهدمهم لكيان النصرانية في آسيا. (2)
تمهيد السبيل للإصلاح النهائي الذي قام به العرب وأعقبه تولد الحضارة الإسلامية.
Page inconnue