فقال نهشل: يا أبا أسماء، إنا لسنا نبالي من حال بيننا وبين قاتلنا قبلنا، وإنك وقومك قد قاتلتمونا دون حقنا، وقد أمكننا الله منك، فأنت والله أوفى دمًا عندنا من بني رميلة، فوالله لأقتلنك أو لتعطيني ما سألتك. . قال: سلني، قال: تجعل لي الله لتصرفن عني بني جرول جمعًا، فإن لم يطيعوك انصرفت عني ببني أشيم، فإن لم يطيعوك أتيتنا. قال: نعم، فخلى سبيله تحت الليل.
فأتاهم وهم حيث يرى بعضهم بعضًا فقال: بني جرول، انصرفوا، ألا تتقون الله، تعرضون دون قوم يطلبون حقهم؟ فانصرف معه منهم أكثر من سبعين رجلًا. فلما رأى ذلك بنو ضخر وبنو جندل قالوا: والله إنا لنظلم رهطنا، لا نقاتلهم، فتخاذل القوم.
فلما رأى ذلك الأشهب بن رميلة قال: ويلكم، في ضربة عصا تسفكون دماءكم، والله ما به من بأس، فأعطوا قومكم بحقهم. قال أبو ثور: هيهات قد غلق القيد وأودى المفتاح هم قد أخذوا من جمعكم رجلًا يرضون به - يعني أبا أسماء، ولا يعلم أنهم قد خلوا عنه - قالوا: قد أرسلوه، قال حجن ورباب: والله لننصرفن، ولنلحقن بغيركم ولا نعطي بأيدينا.
فجعل الأشهب بن رميلة يقول: ويلكم، أتتركون دار قومكم في ضربة عصا لم تبلغ شيئًا. . فلم يزل حتى جاؤوا برباب، فدفعوه إلى قطن وأخذوا منهم أبا بذال، فمات في تلك الليلة وهو في أيديهم، فكتموه، وأرسلوا إلى عباد بن مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي، وإلى عوف ومعبد ابني القعقاع بن معبد، فعرضوا الدية، قالوا: وما بال الدية وصاحبنا حي؟ قالوا: فإن صاحبكم ليس بحي.
فاحتمل بنو قطن حتى أصبحوا، فساروا غير كثير ثم قالوا لرباب: أوصنا بذال، فمات في تلك الليلة وهو في أيديهم، فكتموه، وأرسلوا إلى عباد بن والله إني كنت إلى ربي ذا حاجة، ولكن ما منعني من الصلاة أكثر ما صليت إلا مخافة أن يروا أن إكثاري فرقٌ من الموت. ليضربني رجل منكم شديد الساعد، فدفعوه إلى رجل شديد الساعد، فدفعوه إلى حزيمة بن بشير أبي بذال، فضرب عنقه، ثم دفنوه فيهم، وذلك في الفتنة قبل مقتل عثمان.
فلما استقام الناس لمعاوية قال رجل لابن رميلة: إنما قتل أخوك صاحبهم خطأ، وقد قتلوا أخاك تعمدًا، فاستعد عليهم. فاستعدى عليهم بعد ذلك مروان بن الحكم، ونشبة بن مالك بن قتاد بن سلمى بن جندل، وصقر بن مالك أخو نشبه. فجمعهم مروان بالمدينة. فقال بنو قطن: قتلنا صاحبهم ولم يكن سلطان نستعديه، فأعطى ابن رميلة خمسين من الإبل متلية. فقال الأشهب بن رميلة:
ما زال نصي العيس حتى سقتها ... خمسين يتبعها أبو بذال
فقال الفرزدق يرد عليه:
أرفق بقومك يا محرر خالدٍ ... واذكر مقاد أخيك يوم الأول
عرم الهجين على موالي أمه ... فخصوه من قبل القفا بالمنصل
مروان يعلم إذ يسن دياتكم ... خمسين، أن دياتكم لم تكمل
وقال الفرزدق أيضًا:
دعا دعوة الحبلى رباب وقد رأى ... بني قطنٍ هزوا القنا فتزعزعا
فرد عليه الأشهب بن رميلة:
أعيني قلت عبرةٌ من لأخيكما ... بأن تسهرا الليل التمام ويجزعا
وباكيةٍ تبكي ربابًا وقائلٌ ... جزى الله خيرًا ما أعف وأمنعا
وأضرب في الغمى إذا حمس الوغى ... وأطعم إذ أمسى المراضيع جوعا
إذا ما اعترضنا في أخينا أخاهم ... روينا ولم نشف الغليل فننقعا
قرونا دمًا والضيف منتظر القرى ... ودعوة داعٍ قد دعانا فأسمعا
مددنا وكانت هفوةً من حلومنا ... بثديٍ إلى أولاد ضمرة أقطعا
وقد لامني قومي ونفسي تلومني ... بما قال راءٍ في رباب وضيعا
فلو كان قلبي من حديدٍ لقد وهى ... ولو كان من صم الصفا لتصدعا
قتلنا عميد القوم لا عرض دونه ... ولم يك بالأحجار منعٌ فأمنعا
شمت ابن قينٍ أن أصابت مصيبةٌ ... كريمًا ولم يترك لك الدهر مسمعا
بقتل امرئٍ أحمى عليك سلاحه ... وأنت ذليلٌ منبت الحمض أجمعا
وقال:
أرى العين من ذكرى ربابٍ كأنها ... بها رمدٌ لا يقبل الكحل عائره
1 / 45