وكان ممن ارتد قيس بن عاصم المنقري، فقسم صدقة النبي ﷺ على قومه، فلما رأت ذلك بنو عوف وناس من أصحاب الزبرقان قالوا: اصنع بنا كما صنع قيس، فجعل يمنيهم. وأرادت الأبناء أبناء سعد أن يطلبوها، فواعدهم أن تلقوني غدًا، ثم ضمها فصاح بها إلى أبي بكر هو وبنوه وقال: يا بني هذه نجاة الآخرة ومجد الدنيا. فطردها هو وبنوه ستة: حزن وتغلب وعياش والحر وزياد وبجالة بنو الزبرقان، وعياش لا عقب له، فقال في الأبناء حين تختله عنها في كلمة له:
يا عجبًا عقد الأبناء تختلني ... والله أعلم ماذا تختل العقد
العقد: عوف وعوافة ومالك وجشم بنو سعد، وهم الأبناء، تحالفوا
ساروا إلينا بنصف الليل فاحتملوا ... ولا رهينة إلا سيدٌ صمد
فقد رأيت حلولًا غير نازحةٍ ... منكم قريبًا مغبًا دونها الأسد
سيروا روديًا وإنا لن نفوتكم ... وإن ما بيننا سهلٌ لكم جدد
إن الغزال الذي ترجون غرته ... جمعٌ يضيق به العتكان أو أطد
مستحقبو حلق الماذي يحفزه ... ضربٌ طلخفٌ وطعن بينه حصد
العتكان وأطد أودية لبني بهدلة.
قال ابن السيرافي قال العجاج
ضربًا هذاذيك وطعنًا وخضا
يمضي إلى عاصي العروق النحضا
حتى تشظوا خرزًا منفضا
قال: ضربًا منصوب بإضمار: نضربهم ضربًا هذاذيك، أي يهذ اللحم هذًا بعد هذ. في كلام يشبه هذا لا يشفي جوى. وذلك أنه لم يذكر الممدوح بهذا الشعر، فيتوهم المتوهم أنه أبيات فخر، وإنما هو أبيات مديح، مدح بها الحجاج بن يوسف، وهو:
فوجدوا الحجاج يأبى الهضا
لا فانيًا ولا حديثًا غضا
ومن صريح الأكرمين محضا
يجزيهم بطعن قرضٍ قرضا
وتارةً يسلفون فرضا
ضربًا هذاذيك وطعنًا وخضا
يمضي إلى عاصي العروق النحضا
حتى تشظوا خرزًا منفضا
وهي أبيات. فقوله " ضربًا وطعنًا " إنما هو بدل من قوله " فرضا " وليس ما قاله ابن السيرافي بصحيح.
قال ابن السيرافي قال الملبد بن حرملة من بني أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان
يشكو إلي جملي طول السرى
صبرٌ جميلٌ فكلانا مبتلى
وفي شعره:
يشكو إلي فرسي وقع القنا
قال س: اتفاق شعر الملبد وأبيات الكتاب.
ليس بيت الكتاب الملبد بن حرملة الشيباني، إنما سئل أبو عبيدة عن قائله فقال: هو لبعض السواقين، فأنشد:
يشكو إلي جملي طول السرى
يا جملي ليس إلي المشتكى
صبرٌ جميلٌ فكلانا مبتلى
الدرهمان كلفاني ما ترى
قال س: حفظي: " صبرًا جميلي ".
وأما أبيات الملبد، فليس فيه " صبر جميل " وهي:
يشكو إلي فرسي وقع القنا
اصبر جميل فكلانا مبتلى
قال ابن السيرافي قال ابن الزبير الأسدي
أبلغ يزيد ابن الخليفة أنني ... لقيت من الظلم الأغر المحجلا
فلو أنها إياك عضتك مثلها ... جررت على ما شئت نحرًا وكلكلا
وكنت أخاك الحق في كل مشهدٍ ... ألم ولو أغلوا بلحمي مرجلا
ذكر ابن السيرافي في تفسير هذه الأبيات شيئًا من الإعراب واللغة، لا يجدي على قارئه طائلا، وكنت ذكرت لك أن مثل هذا الشعر إذا لم تعرف قصته لم يعرف معناه بتةً.
هجا ابن الزبير بهذا الشعر عبد الرحمن بن عبد الله بن ربيعة بن حبيب الثقفي، وأمه أم الحكم بنت صخر بن حرب بن أمية، وكان على الكوفة.
وكان سبب هجائه إياه: أن ناسًا من بني علقمة بن قيس بن الأعشى بن نجرة، قتلوا ابن عمٍ لابن الزبير من ولد الأشيم بن الأعشى، فضمن عبد الرحمن لابن الزبير ديتين على القوم وأبى أن يقيده، فغضب عبد الله وأبى أن يقبل.
فخرج إلى يزيد بن معاوية - وكان يزيد يبغض عبد الرحمن - فبعث عبد الرحمن في طلبه فرد إليه، فهرب منه، فأخذ نساءه فحبسهن وهدم داره. فقال ابن الزبير:
أبلغ يزيد ابن الخليفة أنني ... لقيت من الظلم الأغر المحجلا
لقيت بقياسٍ من الأمر شقةً ... ويومًا بجوٍّ كان أعنى وأطولا
وكنت أخاك الحق في كل موطنٍ ... ألم ولو أغلوا بلحمي مرجلا
1 / 41