كان يجب ألا يتخطى ما وجده في الكتاب كما قال: إنه للحطم القيسي، وهو صريح صحيح. والحطم: هو شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمرو بن مرثد، وإنما سمي الحطم؛ لأنه حين رجع من غزاته من حضرموت، قال وهو يسوق بأصحابه:
قد لفها الليل بسواق حطم
ليس براعي إبلٍ ولا غنم
ولا بجزار على ظهر وضم
وهي أبيات مشهورة.
قال ابن السيرافي قال نصيب الأسود - ونصيب هذا ليس بنصيب الأسود المرواني -
ظللت بذي دوران أنشد بكرتي ... ومالي عليه من قلوصٍ ولا بكر
وذكر أربعة أبيات أخر.
قال س: هذا موضع المثل: جرفٌ منهال، وسحاب منجال إعراض ابن السيرافي عن تحقيق هذا الشعر لقائله بعد هذه الخيلاء - ينادي بجهله به، وذلك أنه ذكر أن قائله نصيب الأسود وليس بنصيب المرواني، فإذا لم يكن لهذا ولا لذاك فهو لنصيب المني؟ والشعر لنصيب بن رباح الأسود الحبكي مولى بني الحبيك بن عبد مناة ابن كنانة، وأولها:
ألا يا عقاب الوكر وكر ضرية ... سقيت العغوادي من عقابٍ على وكر
أبيني لنا لا زال ريشك ناعمًا ... ولا زلت من طيرٍ مخضبة الظفر
رأيتك في طيرٍ تروقين فوقها ... بمنعرج الوادي المحقف ذي السدر
تمر الليالي ما مررن ولا أرى ... مرور الليالي منسياتي ابنة النضر
تقول: صلني واهجرني وقد ترى ... إذا هجرت ألا وصال مع الهجر
فلم أرض ما قالت ولم أبد سخطةً ... وضاق بما جمجمت من حبها صدري
فهل أنا إلا مثل سيقة العدى ... إن استقدمت نحر وإن جبأت عقر
ظللت بذي دوران أنشد ناقتي ... ومالي عليه من قلوص ولا بكر
وما أنشد الرعيان إلا تعلةً ... بواضحة الأنياب طيبة النشر
فقال لي الرعيان لم تلتبس بنا ... فقلت بلى قد كنت منها على ذكر
وقد ذكرت لي بالكثيب مؤالفًا ... قلاص سليم أو قلاص بني وبر
فقال فريقٌ لا، وقال فريقهم ... نعم، وفريق قال: ويلك ما ندري
أما والذي حج الملبون بيته ... وعظم آيات الذبائح والنحر
لقد زادني للجفر حبًا وأهله ... ليالٍ أقامتهن ليلى على الجفر
فهل يأثمني الله في أن ذكرتها ... وعللت أصحابي بها ليلة النفر
وطرت وما بي من سآم ومن كرى ... وما بالمطايا من كلالٍ ومن فتر
قال ابن السيرافي قال عوف بن عطية
هلا كررت على ابن أمك معبدٍ ... والعامري يقوده بصفاد
وذكرت من لبن المحلق شربةً ... والخيل تعدو بالصعيد بداد
قال س: غلط ابن السيرافي في رواية هذا البيت، وهو قوله: " هلا كررت على ابن أمك معبدٍ " والصواب:
هلا عطفت على أخيك معبدٍ
لأنه خاطب بهذا الشعر لقيطًا، ومعبدٌ أخوه لأبيه وأمه.
قال ابن السيرافي قال الأغلب العجلي
جاريةٌ من قيسٍ بن ثعلبه
قباء ذات سرةٍ مقعبه
ممكورة الأعلى رداح الحقبه
كأنها حلية سيف مذهبه
قال: قوله " كأنها حلية سيف " يعني في بريقها وحسنها.
قال س: هذا موضع المثل:
هوى ناقتي خلفي وقادمي الهوى ... وإني وإياها لمختلفان
مراد الشاعر في هذه الأبيات غير ما ذهب إليه ابن السيرافي، وذلك أنه توهم أنه أبيات غزل أريد بها أمر جميل لم يعرف ما بعده، فإنه ينجر إلى هجاء مقذع، وأن هذه الصفة استطراد له.
وهذه الأبيات للأغلب يهجو بها كلبة، وكانت كلبة تهاجيه، وهي التي تقول للأغلب:
ناك أبو كلبة أم الأغلب
فهي على جردانه توثب
توثب الكلب لحس الأرنب
وأبيات الأغلب هيه:
جاريةٌ من قيسٍ بن ثعلبه
قباء ذات سرةٍ مقعبه
ممكورة الأعلى رداح الحجبه
كأنها خلة سيف مذهبه
أهوى لها شيخ شديد العصبه
خاظي البضيع أيره كالخشبه
فضربت بالود فوق الأرنبه
ثم انثنت به فويق الرقبه
فأعلنت بصوتها أن يا أبه
كل فتاة بأبيها معجبه
1 / 33